بني إسرائيل ونسوا عهد الله حتى عبدوا الأوثان ، فبعث الله إليهم إلياس نبيا فدعاهم إلى الله تعالى وكانت الأنبياء من بني إسرائيل من بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة ، ثم خلف من بعد إلياس اليسع ، فكان فيهم ما شاء الله ثم قبضه الله ، ثم خلف فيهم الخلوف وعظمت [فيهم](١) الخطايا فظهر لهم عدو يقال له البشاثا (٢) ، وهم قوم جالوت كانوا يسكنون بساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين ، وهم العمالقة فظهروا على بني إسرائيل [بقوتهم](٣) وغلبوا على كثير من أرضهم وسبوا كثيرا من ذراريهم وأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين غلاما وضربوا عليهم الجزية ، وأخذوا توراتهم ولقي بنو إسرائيل منهم بلاء وشدّة ، ولم يكن لهم نبي (٤) يدبّر أمرهم ، وكان سبط النبوّة قد هلكوا فلم يبق منهم إلا امرأة حبلى فحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدّلها بغلام لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها وجعلت المرأة تدعو الله أن يرزقها غلاما فولدت غلاما فسمّته إشمويل ، تقول : سمع الله تعالى دعائي ، فكبر الغلام فأسلمته ليتعلم (٥) التوراة في بيت المقدس ، وكفله شيخ من علمائهم وتبناه [ذلك الشيخ](٦) ، فلما بلغ الغلام أتاه جبريل وهو نائم إلى جنب الشيخ ، وكان لا يأتمن (٧) عليه أحدا فدعاه جبريل بلحن الشيخ : يا أشمويل ، فقام الغلام فزعا إلى الشيخ ، فقال : يا أبتاه دعوتني ، فكره الشيخ أن يقول [لا فيفزع الغلام](٨) ، وقال : يا بني ارجع فنم فرجع الغلام فنام ، ثم دعاه الثانية ، فقال الغلام : [يا أبت](٩) دعوتني ، فقال : ارجع فنم فإن دعوتك الثالثة فلا تجبني ، [وانظر ما يفعل الله في أمرك](١٠) ، فلما كانت الثالثة ظهر له جبريل ، فقال له : اذهب إلى قومك فبلّغهم رسالة ربك فإنّ الله قد بعثك فيهم نبيّا ، فلما أتاهم كذّبوه وقالوا : استعجلت بالنبوّة ولم تنلك ، وقالوا له : إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله آية من نبوّتك ، وإنما كان قوام أمر بني إسرائيل بالاجتماع على الملوك ، وطاعة الملوك لأنبيائهم ، فكان الملك هو الذي يسير بالجموع والنبيّ يقوّم (١١) له أمره ويشير عليه برشده ، ويأتيه بالخبر من ربّه ، قال وهب بن منبه : بعث الله تعالى أشمويل نبيا فلبثوا أربعين سنة بأحسن حال ثم كان من أمر جالوت والعمالقة ما كان ، فقالوا لأشمويل : (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) ، جزم على جواب الأمر ، فلما قالوا له ذلك : (قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ) ، استفهام شك ، يقول : لعلّكم ، قرأ نافع (عَسَيْتُمْ) بكسر السين ، كل القرآن ، وقرأ الباقون بالفتح ، وهي اللغة الفصيحة بدليل قوله تعالى : (عَسى رَبُّكُمْ) [الأعراف : ١٢٩] ، (إِنْ كُتِبَ) : فرض (عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) ، مع ذلك الملك ، (أَلَّا تُقاتِلُوا) ، أن لا تفوا بما تقولون ولا تقاتلوا معه ، (قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ) ، فإن قيل : فما وجه دخول أن في هذا الموضع ، والعرب لا تقول ما لك أن لا تفعل ، وإنما يقال : ما لك لا تفعل؟ قيل : دخول أن وحذفها لغتان صحيحتان ، فالإثبات كقوله تعالى : (ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) [الحجر : ٣٢] ، والحذف كقوله تعالى : (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [الحديد : ٨] ، وقال الكسائي : معناه وما لنا في أن لا نقاتل ، فحذف
__________________
(١) زيادة من المخطوط.
(٢) في المطبوع «البلثاثا».
(٣) زيادة من المخطوط.
(٤) في المطبوع «من».
(٥) في المطبوع «ليعلم» وفي المخطوط «لتعليم» والمثبت عن ـ ط.
(٦) زيادة من المخطوط.
(٧) في المخطوط «يأمن».
(٨) في المطبوع «لئلا يفزع الغلام». والمثبت عن الطبري و ـ ط.
(٩) زيد في المطبوع.
(١٠) زيادة من المخطوط.
(١١) في المطبوع «يقيم» والمثبت عن المخطوط والطبري ٥٦٣٥.