في ، وقال الفراء : أي : وما يمنعنا أن [لا](١) نقاتل في سبيل الله ؛ كقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) [الأعراف : ١٢] ، وقال الأخفش : أن هاهنا زائدة معناه : وما لنا لا نقاتل في سبيل الله (وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) ، أي أخرج من غلب عليهم من ديارهم ظاهر الكلام العموم ، وباطنه الخصوص ، لأن الذين قالوا لنبيّهم : ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله كانوا في ديارهم وأوطانهم ، وإنما أخرج من أسر منهم ، ومعنى الآية : أنهم قالوا مجيبين لنبيّهم : إنما كنّا نزهد في الجهاد إذ كنّا ممنوعين في بلادنا لا يظهر علينا عدونا ، فأما إذا بلغ ذلك منّا فنطيع ربنا في الجهاد ، ونمنع نساءنا وأولادنا ، قال الله تعالى : (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا) : أعرضوا عن الجهاد وضيّعوا أمر الله ، (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) ، وهم الذين عبروا النهر مع طالوت واقتصروا على الغرفة ، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ).
(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧))
(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً) ، وذلك أن أشمويل سأل الله تعالى أن يبعث لهم ملكا فأتى بعصا وقرن فيه دهن القدس ، وقيل له : إن صاحبكم الذي يكون طوله طول هذه العصا ، وانظر هذا القرن الذي فيه الدهن ، فإذا دخل عليك رجل فنشّ الدهن الذي في القرن فهو ملك بني إسرائيل ، فادّهن به رأسه وملّكه عليهم ، وكان طالوت اسمه بالعبرانية شاول بن قيس من أولاد بنيامين بن يعقوب ، سمّي طالوت لطوله ، وكان أطول من كل أحد برأسه ومنكبيه ، وكان رجلا دبّاغا يعمل الأديم ، قاله وهب ، وقال السدي : كان رجلا سقّاء يسقي على حمار له من النيل ، فضلّ حماره فخرج في طلبه ، وقال وهب : بل ضلت حمر لأبي طالوت فأرسله وغلاما له في طلبها فمرّا ببيت أشمويل عليهالسلام ، فقال الغلام لطالوت : لو دخلنا على هذا النبيّ فسألناه عن أمر الحمر ليرشدنا ويدعو لنا [لكان حسنا](٢) ، فدخلا عليه فبينما هما عنده يذكران له [شأن دابتهما](٣) ، إذ نشّ الدهن الذي في القرن ، فقام اشمويل عليهالسلام فقاس طالوت بالعصا فكانت طوله ، فقال لطالوت : قرّب رأسك فقرّبه فدهنه بدهن القدس ، ثم قال له : أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله تعالى أن أملكك (٤) عليهم ، فقال طالوت [له] : أما علمت أنّ سبطي أدنى أسباط بني إسرائيل ، وبيتي أدنى بيوت بني إسرائيل؟ قال : بلى ، قال : فبأيّ آية؟ قال : بآية أنك ترجع وقد وجد أبوك حمره ، فكان كذلك ، ثم قال لبني إسرائيل : إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ، (قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا) ، أي : من أين يكون له الملك علينا؟ (وَنَحْنُ أَحَقُ) : أولى (بِالْمُلْكِ مِنْهُ)؟ وإنما قالوا ذلك لأنه كان في بني إسرائيل سبطان ، سبط النبوّة وسبط المملكة ، فكان سبط النبوّة سبط لاوى بن يعقوب ، ومنه كان موسى وهارون [عليهماالسلام] ، وسبط المملكة سبط يهوذا بن يعقوب ، ومنه كان داود وسليمان [عليهماالسلام] ، ولم يكن طالوت من أحدهما ، وإنما كان من سبط بنيامين بن يعقوب ، وكانوا عملوا ذنبا عظيما ، كانوا ينكحون النساء على
__________________
(١) زيد في المطبوع.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «حاجتهما» وفي المخطوط «بيان الحمر» والمثبت عن ـ ط والطبري ٥٦٣٩.
(٤) في المطبوع «أملكه».