ظهر الطريق نهارا ، فغضب الله تعالى عليهم ونزع الملك والنبوّة عنهم ، وكانوا يسمّون سبط الإثم ، فلما قال لهم نبيّهم ذلك ، أنكروا عليه لأنه لم يكن من سبط المملكة [عندهم] ، ومع ذلك قالوا : هو فقير ، (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ) : اختاره (عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً) : فضيلة وسعة (فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) ، وذلك أنه كان أعلم بني إسرائيل في وقته ، وقيل : إنه أتاه الوحي حين أوتي الملك ، وقال الكلبي : (وَزادَهُ بَسْطَةً) فضيلة وسعة في العلم بالحرب ، وفي الجسم بالطول ، وقيل : الجسم بالجمال ، وكان طالوت أجمل رجل في بني إسرائيل [في وقته](١) وأعلمهم ، (وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) ، قيل : الواسع ذو السعة وهو الذي يعطي عن غنى ، والعليم العالم ، وقيل : العالم بما كان ، والعليم بما يكون ، فقالوا له : فما آية ملكه فقال لهم نبيّهم : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت.
(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨))
فذلك قوله تعالى : (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) ، وكانت قصة التابوت أن الله تعالى أنزل تابوتا على آدم فيه صورة الأنبياء عليهمالسلام ، وكان من عود الشمشاذ (٢) نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين ، فكان عند آدم إلى أن مات ، ثم [بعد ذلك](٣) عند شيث ، ثم توارثه أولاد آدم إلى أن بلغ إبراهيم ، ثم كان عند إسماعيل لأنه كان أكبر ولده ، ثم عند يعقوب ثم كان في بني إسرائيل إلى أن وصل إلى موسى ، فكان موسى يضع فيه التوراة ، ومتاعا من متاعه ، فكان عنده إلى أن مات موسى عليهالسلام ، ثم تداوله (٤) أنبياء بني إسرائيل إلى وقت إشمويل ، وكان فيه ما ذكر الله تعالى : (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ، اختلفوا في السكينة ما هي؟ قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : ريح خجوج هفافة لها رأسان ، ووجه كوجه الإنسان (٥) ، وعن مجاهد : شيء يشبه الهرة له رأس كرأس الهرة وذنب كذنب الهرة وله جناحان ، وقيل : له عينان لهما شعاع وجناحان من زمرد وزبرجد فكانوا إذا سمعوا صوته تيقّنوا بالنصرة (٦) ، وكانوا إذا خرجوا وضعوا التابوت قدّامهم ، فإذا سار ساروا ، وإذا وقف وقفوا ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : هي طست من ذهب من الجنّة ، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء [عليهمالسلام] ، وعن وهب بن منبه قال : هي روح من الله تتكلم إذا اختلفوا في شيء تخبرهم ببيان ما يريدون ، وقال عطاء بن أبي رباح : هي ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها ، وقال قتادة والكلبي : السكينة فعلية من السكون أي : طمأنينة من ربكم ، ففي أيّ مكان كان التابوت اطمأنوا إليه وسكنوا ، (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) ، يعني : موسى وهارون أنفسهما ، كان فيه لوحان من التوراة ورضاض الألواح التي تكسّرت ، وكان فيه عصا موسى ونعلاه ، وعمامة هارون وعصاه ، وقفيز من المنّ الذي كان ينزل على بني إسرائيل ، فكان التابوت عند بني إسرائيل وكانوا إذا اختلفوا في شيء تكلّم وحكم بينهم ، وإذا حضروا القتال قدّموه بين أيديهم فيستفتحون به على عدوّهم ، فلما عصوا
__________________
(١) ما بين المعقوفتين زيادة من المخطوط. وكذا ما قبله.
(٢) في المطبوع «الشمشاد» والمثبت عن ـ ط ، وفي المخطوط «الشمشاز».
(٣) زيد في المطبوع.
(٤) في المطبوع «تداولته».
(٥) لا يصح عن علي ، وكل ما ورد في ذلك من الإسرائيليات.
(٦) في نسخة ـ ط ـ «بالنصر» وفي المخطوط «بالشر».