وأفسدوا سلّط الله عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت ، وكان السبب في ذلك أنه كان لعيلى العالم الذي ربّى إشمويل عليهالسلام ابنان شابان وكان عيلى حبرهم وصاحب قربانهم ، فأحدث ابناه في القربان شيئا لم يكن فيه ، وذلك أنه كان لعيلى منوط القربان الذي كانوا ينوطونه به كلابين ، فما أخرجا كان للكاهن الذي ينوطه فجعل ابناه كلاليب ، وكان النساء يصلّين في بيت المقدس فيتشبثان بهنّ ، فأوحى الله تعالى إلى إشمويل عليهالسلام انطلق إلى عيلى فقل له : منعك حبّ الولد من أن تزجر ابنيك عن أن يحدثا في قرباني وقدسي شيئا ، وأن يعصياني فلأنزعنّ الكهانة منك ومن ولدك ولأهلكنّك وإياهما (١) ، فأخبر إشمويل عيلى بذلك ففزع فزعا شديدا ، فسار إليهم عدوّ ممن حولهم فأمر ابنيه أن يخرجا بالناس فيقاتلا ذلك العدو ، فخرجا وأخرجا معهما التابوت فلما تهيّئوا للقتال جعل عيلى يتوقع الخبر ما ذا صنعوا ، فجاءه رجل وهو جالس على كرسيه فقال : إن الناس قد انهزموا وإن ابنيك قد قتلا ، قال : فما فعل التابوت؟ قال : ذهب به العدو فشهق ووقع على قفاه من (٢) كرسيه ومات ، فخرج أمر بني إسرائيل وتفرّقوا إلى أن بعث الله طالوت ملكا ، فسألوا البيّنة فقال لهم نبيّهم : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت ، وكانت قصة التابوت أن الذين سبوا التابوت أتوا به قرية من قرى فلسطين يقال لها أزدود ، وجعلوه في بيت صنم لهم ووضعوه تحت الصنم الأعظم فأصبحوا من الغد والصنم تحته فأخذوه ووضعوه فوقه وسمّروا (٣) قدمي الصنم على التابوت فأصبحوا وقد قطعت يد الصنم ورجلاه ، وأصبح ملقى تحت التابوت ، وأصبحت أصنامهم منكسة فأخرجوه من بيت الصنم ووضعوه في ناحية من مدينتهم ، فأخذ أهل تلك الناحية وجع في أعناقهم حتى هلك أكثرهم ، فقال بعضهم لبعض : أليس قد علمتم أن إله بني إسرائيل لا يقوم له شيء فأخرجوه إلى قرية كذا ، فبعث الله على أهل تلك القرية [فأرا فكانت الفأرة تبيت مع الرجل [منهم] فيصبح ميتا وقد أكلت ما في جوفه](٤) ، فأخرجوه إلى الصحراء فدفنوه في مخرأة لهم (١) ، فكان كل من تبرّز [بها] أخذه الباسور والقولنج فتحيّروا [في أمرهم وفي الأماكن لهم التابوت](٥) ، فقالت لهم امرأة كانت عندهم من سبي بني إسرائيل من أولاد الأنبياء : لا تزالون ترون ما تكرهون ما دام هذا التابوت فيكم فأخرجوه عنكم ، فأتوا بعجلة (٦) ، بإشارة تلك المرأة ، وحملوا عليها التابوت ، ثم علّقوها على ثورين وضربوا جنوبهما ، فأقبل الثوران يسيران ، ووكّل الله تعالى بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما (٧) ، فأقبلا حتى وقفا على أرض بني إسرائيل فكسرا نيريهما (٢) وقطعا حبالهما ووضعا التابوت في أرض فيها حصاد لبني إسرائيل ورجعا إلى أرضهما ، فلم يرع بني إسرائيل إلا بالتابوت ، فكبّروا وحمدوا الله ، فذلك قوله تعالى : (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) ، أي : تسوقه (٣) ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت ، وقال الحسن : كان التابوت مع الملائكة
__________________
(١) الخرء : العذرة والموضع.
(٢) النير : الخشبة التي على عنق الثور بأداتها ـ والقصب ـ والخيوط إذا اجتمعت.
(٣) الأثر بطوله من الإسرائيليات.
__________________
(١) في المطبوع «وإياهم».
(٢) زيد في المخطوط «على».
(٣) في المطبوع «وشمّروا» وفي المخطوط «سحروا».
(٤) العبارة في المخطوط [فأرا تنيب الفأرة مع الرجل منهم فيصبح ميتا وقد أكلت ما في بطنه].
(٥) زيادة من المخطوط.
(٦) في المطبوع «بعجلة».
(٧) في المطبوع «يسوقونها».