في السماء فلما ولي طالوت الملك حملته الملائكة وضعته بينهم ، وقال قتادة : بل كان التابوت في التيه خلفه موسى عبد يوشع بن نون فبقي هناك ، فحملته الملائكة حتى وضعته في دار طالوت فأقرّوا بملكه ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) : لعبرة ، (لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية ، وإنهما يخرجان [منها](١) قبل يوم القيامة.
(فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩))
قوله تعالى : (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ) ، أي : خرج بهم ، وأصل الفصل : القطع ، يعني : قطع مستقره شاخصا إلى غيره ، فخرج طالوت من بيت المقدس بالجنود وهم يومئذ سبعون ألف مقاتل ، وقيل : ثمانون ألفا لم يتخلّف عنه إلا كبير لهرمه أو مريض لمرضه ، أو معذور لعذره ، وذلك أنهم لما رأوا التابوت لم يشكّوا في النصر فتسارعوا إلى الجهاد ، فقال طالوت : لا حاجة لي في كل ما أرى [من القوم](١) ، لا يخرج معي رجل يبني بناء لم يفرغ منه ، ولا صاحب تجارة يشتغل بها ، ولا رجل عليه دين ولا رجل تزوج امرأة ولم يبن بها ، ولا يتبعني إلا الشاب النشيط الفارغ ، فاجتمع له ثمانون ألفا من شرطه ، وكان في حرّ شديد فشكوا قلّة الماء بينهم وبين عدوّهم ، فقالوا : إن المياه قليلة لا تحملنا فادع الله أن يجري لنا نهرا ، (قالَ) طالوت : (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) : مختبركم ليرى طاعتكم وهو أعلم ، (بِنَهَرٍ) ، قال ابن عباس والسدي : هو نهر فلسطين ، وقال قتادة : نهر بين الأردن وفلسطين عذب ، (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) ، أي : من أهل ديني وطاعتي ، (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) : لم يشربه (فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) ، قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو (غُرْفَةً) بفتح الغين ، وقرأ الآخرون بالضم وهما لغتان ، قال الكسائي : الغرفة بالضم الذي يحصل في الكف من الماء إذا غرف ، والغرفة بالفتح : الاغتراف ، فالضم اسم والفتح مصدر ، (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) ، نصب على الاستثناء ، واختلفوا في القليل الذين لم يشربوا [من النهر](١) ، فقال السدي : كانوا أربعة آلاف ، وقال غيره : ثلاثمائة وبضعة عشر وهو الصحيح ، لما :
[٢٨٧] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الله بن رجاء أنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال :
كنّا أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم نتحدّث أن عدّة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه
__________________
[٢٨٧] ـ إسناده صحيح ، عبد الله بن رجاء بن عمر من رجال البخاري ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، إسرائيل هو ابن يونس السّبيعي ، وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله.
ـ أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» برقم ٣٩٥٨ بهذا الإسناد.
ـ وأخرجه البخاري ٣٩٥٩ والطبري ٥٧٢٦ من طريق أبي إسحاق به.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.