النهر ولم يجاوز معه إلا مؤمن وهم بضعة عشر وثلاثمائة.
وروي : ثلاثمائة وثلاثة عشر ، فلما وصلوا إلى النهر وقد ألقي عليهم العطش ، فشرب منه الكل إلا هذا العدد القليل فمن اغترف غرفة كما أمر الله قوي قلبه وصحّ إيمانه ، وعبر النهر سالما وكفته تلك الغرفة الواحدة لشربه وحمله ودوابه ، والذين شربوا وخالفوا أمر الله اسودّت شفاههم وغلبهم العطش ، فلم يرووا وبقوا على شط النهر وجبنوا عن لقاء العدوّ ، فلم يجاوزوا ولم يشهدوا الفتح ، وقيل : كلّهم جاوزوا ولكن لم يحضر القتال إلا [القليل](١) الذين لم يشربوا ، (فَلَمَّا جاوَزَهُ) ، يعني : النهر (هُوَ) ، يعني : طالوت ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) ، يعني : القليل ، (قالُوا) ، يعني : الذين شربوا وخالفوا أمر الله وكانوا أهل شكّ ونفاق ، (لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما والسدي : فانحرفوا ولم يجاوزوا ، (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ) : يستيقنون (أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ) ، وهم الذين ثبتوا مع طالوت ، (كَمْ مِنْ فِئَةٍ) : جماعة ، وهو (٢) جمع لا واحد له من لفظه ، وجمعه (٣) فئات وفئون في الرفع ، وفئين في الخفض والنصب ، (قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) : بقضائه وقدره وإرادته ، (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) : بالنصر والمعونة.
(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠))
(وَلَمَّا بَرَزُوا) ، يعني : طالوت وجنوده ، يعني : المؤمنين ، (لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) المشركين ، ومعنى برزوا : صاروا بالبراز من الأرض وهو ما ظهر واستوى منها ، (قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا) : أنزل واصبب (صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) : قوّ قلوبنا ، (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).
(فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٢٥١))
(فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ) ، [أي : بعلم الله تعالى](٤) ، (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ) ، وصفة قتله : قال أهل التفسير (١) : عبر النهر مع طالوت فيمن عبر إيشا أبو داود في ثلاثة عشر ابنا له وكان داود أصغرهم وكان يرمي بالقذافة ، فقال لأبيه يوما : يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئا إلا صرعته ، فقال له : أبشر يا بني فإن الله [عزوجل] جعل رزقك في قذافتك ، ثم أتاه مرة أخرى فقال : يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدا رابضا فركبته فأخذت بأذنيه فلم يهجني ، فقال : أبشر يا بني فإن هذا خير يريده الله بك ، ثم أتاه يوما آخر فقال : يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال فأسبّح فما يبقى جبل إلا سبّح معي ، فقال : أبشر يا بني فإن هذا خير أعطاكه الله تعالى ، فأرسل جالوت إلى طالوت أن ابرز لي أو أبرز إليّ من يقاتلني ، فإن قتلني فلكم ملكي وإن قتلته فلي ملككم فشقّ ذلك على طالوت فنادى في عسكره من قتل جالوت زوّجته ابنتي وناصفته ملكي فهاب الناس جالوت فلم يجبه أحد ، فسأل طالوت نبيّهم أن يدعو الله تعالى فدعا الله
__________________
(١) هذا الخبر بطوله من الإسرائيليات.
__________________
(١) زيادة من المخطوط.
(٢) في المطبوع «وهي».
(٣) في المطبوع «جمعها».
(٤) زيد في نسخ المطبوع.