في ذلك ، فأتى بقرن فيه دهن القدس وتنور في حديد فقيل : إن صاحبكم الذي يقتل جالوت هو الذي يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي الدهن حتى يدهن منه رأسه ولا يسيل على وجهه بل يكون على رأسه كهيئة الإكليل ، ويدخل في هذا التنور فيملؤه ولا يتقلقل فيه ، فدعا طالوت بني إسرائيل فجرّبهم فلم يوافقه منهم أحد ، فأوحى الله إلى نبيّهم أن في ولد إيشا من يقتل الله به جالوت فدعا طالوت إيشا ، فقال : اعرض عليّ بنيك ، فأخرج اثني عشر رجلا أمثال السواري ، فجعل يعرضهم على القرن فلا يرى شيئا ، فقال لإيشا : هل بقي لك ولد غيرهم؟ فقال : لا ، فقال (١) النبيّ : يا ربّ إنه زعم أن لا ولد له غيرهم ، فقال : كذب ، فقال النبيّ : إن ربي كذبك ، فقال : صدق الله يا نبيّ الله إن لي ابنا صغيرا يقال له داود ، استحييت أن يراه الناس لقصر قامته وحقارته فخلفته في الغنم يرعاها وهو في شعب كذا وكذا ، وكان داود رجلا قصيرا مسقاما مصفارا أزرق أمعر ، فدعاه طالوت ، ويقال : بل خرج طالوت إليه فوجد الوادي قد سال بينه وبين الزريبة التي كان يريح إليها فوجده يحمل [شاتين](١) يجيز بهما السيل ولا يخوض بهما الماء فلما رآه [طالوت يفعل ذلك](٢) قال : هذا هو لا شك فيه هذا يرحم البهائم فهو بالناس أرحم ، فدعاه ووضع القرن على رأسه ففاض ، فقال طالوت : هل لك أن تقتل جالوت وأزوّجك ابنتي وأجري خاتمك في ملكي؟ قال : نعم ، قال : وهل آنست من نفسك شيئا تتقوّى به على قتله؟ قال : نعم ، أنا أرعى الغنم فيجيء الأسد أو النمر أو الذئب فيأخذ شاة فأقوم إليه فأفتح لحييه عنها وأخرجها من قفاه ، فأخذ (٣) طالوت داود وردّه إلى عسكره ، فمرّ داود عليهالسلام في طريقه بحجر فناداه الحجر : يا داود احملني فإني حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا وكذا فحمله في مخلاته ، ثم مرّ بحجر آخر فقال : احملني فإني حجر موسى الذي قتل بي ملك كذا وكذا فحمله في مخلاته ثم مر بحجر آخر فقال : احملني فإني حجرك الذي تقتل بي جالوت فوضعه (٤) في مخلاته ، فلما تصافّوا للقتال وبرز جالوت وسأل المبارزة ، انتدب له داود فأعطاه طالوت فرسا ودرعا وسلاحا فلبس الدرع (٥) وركب الفرس فسار قريبا [من جالوت](٦) ثم انصرف إلى الملك فقال من حوله : جبن الغلام فجاء فوقف على الملك فقال : ما شأنك؟ فقال له داود : إنّ الله إن لم ينصرني لم يغن عني هذا السلاح شيئا فدعني أقاتل جالوت كما أريد ، قال : فافعل ما شئت ، قال : نعم فأخذ داود مخلاته فتقلّدها وأخذ المقلاع ومضى نحو جالوت ، وكان جالوت من أشدّ الرجال وأقواهم وكان يهزم الجيوش وحده ، وكان له بيضة فيها ثلاثمائة رطل حديد ، فلما نظر إلى داود ألقى الله في قلبه الرعب ، فقال له : أنت تبرز إليّ؟ قال : نعم ، وكان جالوت على فرس أبلق وعليه السلاح التام ، فقال له : أتيتني بالمقلاع والحجر كما يؤتى الكلب؟ قال داود عليهالسلام : نعم أنت شر من الكلب ، قال جالوت : لا جرم لأقسمنّ لحمك بين سباع الأرض وطير السماء ، فقال داود : أو يقسم الله لحمك ، فقال داود :باسم إله إبراهيم وأخرج حجرا [ووضعه في مقلاعه] ثم أخرج الآخر ، وقال : باسم إله إسحاق ووضعه في مقلاعه ثم أخرج الثالث وقال : باسم إله يعقوب ووضعه في مقلاعه فصارت كلها حجرا واحدا [بأمر الله](٦) ، ودوّر داود عليهالسلام المقلاع ورمى به فسخّر الله له الريح حتى أصاب الحجر أنف البيضة
__________________
(١) أي نبي تلك الأمة.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط والطبري.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) العبارة في المخطوط «فأخذه فرده ...».
(٤) في المطبوع «فوضعها».
(٥) في المطبوع «السلاح».
(٦) زيادة من المخطوط.