فخالط دماغه وخرج من قفاه ، وقتل من ورائه ثلاثين رجلا وهزم الله تعالى الجيش وخر جالوت قتيلا فأخذ يجره حتى ألقاه بين يدي طالوت ففرح المسلمون فرحا شديدا ، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين ، والناس يذكرون داود [بخير](١) ، فجاء داود طالوت وقال : أنجز لي ما وعدتني ، فقال : تريد ابنة الملك بغير صداق ، فقال داود : ما شرطت علي صداقا وليس لي شيء ، فقال : لا أكلفك إلا ما تطيق أنت رجل جريء وفي حيالنا أعداء لنا غلف فإذا قتلت منهم مائتي رجل وجئتني بغلفهم زوّجتك ابنتي ، فأتاهم [داود](١) فجعل كلما قتل واحدا منهم نظم غلفته في خيط حتى نظم مائتي غلفة فجاء بها إلى طالوت وألقاها إليه ، وقال : ادفع إليّ امرأتي فزوّجه إياها (٢) وأجرى خاتمه في ملكه ، فمال الناس إلى داود وأحبوه ، وأكثروا ذكره فحسده طالوت وأراد قتله فأخبر بذلك ابنة طالوت رجل يقال له : ذو العينين ، فقالت ابنة طالوت لداود : إنك مقتول في هذه الليلة ، قال : ومن يقتلني؟ قالت : أبي ، قال : فهل أجرمت جرما [أستحق به القتل](٣)؟ قالت : حدثني من لا يكذب ولا عليك أن تغيب هذه الليلة حتى تنظر مصداق ذلك ، قال : لئن كان الله أراد ذلك ما أستطيع خروجا ولكن ائتيني بزق خمر فأتت به فوضعه في مضجعه على السرير وسجاه ودخل تحت السرير ، فدخل طالوت نصف الليل ، فقال لها : أين بعلك؟ قالت : هو نائم على السرير ، فضربه بالسيف ضربة فسال الخمر ، فلما وجد ريح الخمر ، قال : يرحم الله داود ما كان أكثر شربه للخمر وخرج [من عندها](٤) ، فلما أصبح علم أنه لم يفعل شيئا ، فقال : إن رجلا طلبت منه ما طلبت لخليق أن لا يدعني حتى يدرك مني ثأره ، فاشتدّ حجابه وحراسه وأغلق دونه أبوابه ، ثم إن داود أتاه ليلة وقد هدأت العيون فأعمى الله سبحانه الحجبة وفتح له الأبواب ، فدخل عليه وهو نائم على فراشه فوضع سهما عند رأسه وسهما عند رجليه [وسهما عن يمينه](٤) وسهما عن شماله ، ثم خرج فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها ، فقال : يرحم الله تعالى داود هو خير مني ظفرت به فقصدت قتله وظفر بي فكفّ عني ولو شاء لوضع هذا السهم في حلقي وما أنا بالذي آمنه ، فلما كانت [الليلة](٤) القابلة أتاه ثانية وأعمى الله الحجبة فدخل عليه وهو نائم فأخذ إبريق طالوت الذي كان يتوضأ منه وكوزه الذي كان يشرب منه وقطع شعرات من لحيته وشيا من هدب ثيابه ، ثم خرج وهرب وتوارى ، فلما أصبح طالوت ورأى ذلك سلّط على داود العيون وطلبه أشدّ الطلب ، فلم يقدر عليه ، ثم إن طالوت ركب يوما فوجد داود يمشي في البرية ، فقال : اليوم أقتله فركض على أثره فاشتدّ داود وكان إذا فزع لم يدرك ، فدخل غارا فأوحى الله تعالى إلى العنكبوت فنسجت عليه بيتا فلمّا انتهى طالوت إلى الغار ونظر إلى بناء العنكبوت ، فقال : لو كان دخل هاهنا لخرق بناء العنكبوت فتركه ومضى ، وانطلق داود وأتى الجبل مع المتعبّدين فتعبّد فيه فطعن العلماء والعباد على طالوت في شأن داود فجعل طالوت لا ينهاه أحد عن قتل داود إلا قتله وأغرى على قتل العلماء ، فلم يكن يقدر على عالم في بني إسرائيل يطيق قتله إلا قتله حتى أتي بامرأة تعلم اسم الله الأعظم فأمر خبازه (٥) بقتلها ، فرحمها الخباز وقال : لعلنا نحتاج إلى عالم فتركها فوقع في قلب طالوت التوبة وندم على ما فعل ، وأقبل على البكاء حتى رحمه الناس ، وكان كل ليلة يخرج إلى القبور فيبكي وينادي : أنشد الله عبدا يعلم أن لي توبة إلا أخبرني بها فلما أكثر عليهم ناداه مناد من القبور : يا طالوت أما ترضى أن قتلتنا حتى تؤذينا أمواتا ، فازداد بكاء وحزنا ، فرحمه الخباز فقال : ما لك أيها
__________________
(١) زيادة من المخطوط.
(٢) في المطبوع «ابنته».
(٣) زيادة من المخطوط.
(٤) زيادة من المخطوط.
(٥) تكرر لفظ «خبازه» في كافة المواضع هكذا في المطبوع ونسخة ـ ط ـ ووقع في المخطوط «جبارة».