السلام أنها فتياه وأن ذلك السائل كان رسول ربّه ، فطار أرمياء حتى خالط الوحوش ، ودخل بختنصر وجنوده بيت المقدس ووطئ الشام وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم وخرّب بيت المقدس ، ثم أمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه ترابا فيقذفه في بيت المقدس ففعلوا حتى ملئوه ، ثم أمرهم أن يجمعوا من كان في بلدان بيت المقدس ، فاجتمع عنده (١) صغيرهم وكبيرهم من بني إسرائيل ، فاختار منهم سبعين ألف صبي فقسّمهم بين الملوك الذين كانوا معه ، فأصاب كل رجل منهم أربعة غلمة ، وكان من أولئك الغلمان (٢) دانيال وحنانيا ، وفرّق من بقي من بني إسرائيل ثلاث فرق فثلثا قتلهم وثلثا سباهم وثلثا أقرّهم بالشام ، وكانت هذه الواقعة الأولى التي أنزلها الله ببني إسرائيل بظلمهم فلما ولّى عنهم بختنصر راجعا إلى بابل ومعه سبايا بني إسرائيل أقبل أرمياء على حمار له ومعه عصير عنب في ركوة وسلّة تين حتى غشي إيلياء ، فلما وقف عليها ورأى خرابها قال : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) ، وقال الذي قال : إن المارّ كان عزيرا وإن بختنصر لمّا خرّب بيت المقدس وقدم بسبي بني إسرائيل بابل كان فيهم عزير ودانيال وسبعة آلاف من أهل بيت داود ، فلما نجا عزير من بابل ارتحل على حمار له حتى نزل دير هرقل على شط دجلة ، فطاف في القرية فلم ير فيها أحدا وعامة شجرها حامل ، فأكل من الفاكهة واعتصر من العنب فشرب منه وجعل فضل الفاكهة في سلة وفضل العصير في زقّ ، فلما رأى خراب القرية وهلاك أهلها قال : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) ، قالها تعجّبا لا شكّا في البعث. رجعنا إلى حديث وهب. قال : ثم ربط أرمياء حماره بحبل جديد فألقى الله تعالى عليه النوم فلما نام نزع الله منه الروح مائة عام ، وأمات حماره ، وعصيره وتينه عنده فأعمى الله عنه العيون فلم يره أحد ، وذلك ضحى ومنع الله السباع والطير لحمه فلما مضى من موته سبعون سنة أرسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس يقال له : نوشك ، فقال [له] : إن الله يأمرك أن تنفر بقومك فتعمّر بيت المقدس وإيلياء حتى يعود أعمر ما كان ، فانتدب الملك ألف قهرمان مع كل قهرمان ثلاثمائة ألف عامل وجعلوا يعمّرونه (٣) ، فأهلك الله بختنصر ببعوضة دخلت دماغه ، ونجّى الله من بقي من بني إسرائيل ، ولم يمت ببابل [منهم](٤) أحد ، وردّهم جميعا إلى بيت المقدس ونواحيه وعمّروها ثلاثين سنة ، وكثروا حتى عادوا على أحسن ما كانوا عليه [قبل](٥) ، فلما مضت المائة أحيا الله منه عينيه وسائر جسده ميت ثم أحيا جسده وهو ينظر إليه ، ثم نظر إلى حماره فإذا عظامه متفرقة بيض تلوح ، فسمع صوتا من السماء : أيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعي فاجتمع بعضها إلى بعض واتّصل بعضها ببعض ، ثم نودي : أن الله يأمرك أن تكتسي لحما وجلدا فكانت كذلك ، ثم نودي أن الله يأمرك أن تحيا فقام بإذن الله ونهق ، وعمّر الله أرمياء فهو الذي يرى في الفلوات ، فذلك قوله تعالى : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) ، أي : أحياه ، (قالَ كَمْ لَبِثْتَ) ، أي : كم مكثت؟ يقال : لمّا أحياه الله بعث إليه ملكا فسأله : كم لبثت (قالَ لَبِثْتُ يَوْماً) ، وذلك أن الله تعالى أماته ضحى في أول النهار وأحياه بعد مائة عام في آخر النهار قبل غيبوبة الشمس ، فقال : كم لبثت؟ قال](٦) : لبثت يوما وهو يرى أن الشمس قد غربت ، ثم التفت فرأى بقية من الشمس ، فقال : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ، بل بعض يوم (قالَ) له الملك : (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ) ، يعني : التين ، (وَشَرابِكَ) ، يعني : العصير ، (لَمْ
__________________
(١) في المطبوع «عندهم».
(٢) في المخطوط «الغلمة».
(٣) في المخطوط «يعمرونها».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيد في المطبوع وحده.