الإخفاء فيها خيرا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمّا في زماننا فالإظهار أفضل حتى لا يساء به الظن. قوله تعالى : (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) ، قرأ ابن كثير وأهل البصرة وأبو بكر بالنون ورفع الراء ، أي : «ونحن نكفّر» ، وقرأ ابن عامر وحفص بالياء ورفع الراء ، أي : «ويكفّر الله» ، وقرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي بالنون والجزم نسقا على الفاء التي في قوله : (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) ؛ لأن موضعها جزم الجزاء ، وقوله : (مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) ، قيل : (مِنْ) صلة ، تقديره : نكفّر عنكم سيّئاتكم ، وقيل : هو للتحقيق والتبعيض ، يعني : نكفّر [عنكم] الصغائر من الذنوب ، (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢))
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) ، قال الكلبي : سبب نزول هذه الآية أن ناسا من المسلمين كانت لهم قرابة وأصهار في اليهود ، وكانوا ينفقون عليهم قبل أن يسلموا ، فلما أسلموا كرهوا أن ينفقوا عليهم ، وأرادوهم على أن يسلموا ، وقال سعيد بن جبير : كانوا يتصدّقون على فقراء أهل الذمة (١) ، فلما كثر فقراء المسلمين نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن التصدّق على المشركين كي تحملهم الحاجة على الدخول في الإسلام ، فنزل قوله : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) ، فتمنعهم الصدقة ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها ، (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ، وأراد به هداية التوفيق ، أما هدي البيان والدعوة كان على (٢) رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأعطوهم بعد نزول الآية ، (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) ، أي : مال ، (فَلِأَنْفُسِكُمْ) ، أي : تعملونه (٣) لأنفسكم ، (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) ، [و «ما»](٤) لفظة نفي (٥) ومعناه نهي ، أي : لا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله ، (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) ، شرط كالأول ، ولذلك حذف النون منهما ، (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) ، أي : يوفر لكم جزاؤه ، ومعناه : يؤدى إليكم ، ولذلك أدخل فيه «إلى» (٦) ، (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) ، لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئا ، وهذا في صدقة التطوّع أباح الله تعالى أن توضع في أهل الإسلام وأهل الذمّة ، فأما الصدقة المفروضة فلا يجوز وضعها إلا في المسلمين ، وهم أهل السهمان المذكورون في سورة التوبة.
(لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣))
قوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ، اختلفوا في موضع هذه اللام ، قيل : هو مردود (٧) على موضع اللام من قوله : (فَلِأَنْفُسِكُمْ) ، كأنه قال : وما تنفقوا من خير فللفقراء ، وإنما
__________________
(١) زيد في المخطوط «مسلما كان أو مشركا» وجعل بدل «الذمة» «المدينة» ولكن المثبت أقرب كما في «الدر المنثور» (١ / ٦٣٣).
و «تفسير القرطبي» ٣ / ٣٣٧)
(٢) زيد في المطبوع «عهد» وهو سهو من النساخ.
(٣) في المطبوع وحده «تنفقونه».
(٤) زيادة عن نسخة ـ ط.
(٥) في المطبوع «جحد» وكلاهما بمعنى.
(٦) في النسخة ـ ط «إلا» والمثبت هو الصواب.
(٧) في المطبوع و ـ ط «هي مردودة».