قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) أي عهدا ثقيلا وميثاقا لا نستطيع القيام به فتعذبنا بنقضه وتركه ، (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) ، يعني : اليهود ، فلم يقوموا به فعذّبتهم هذا قول مجاهد وعطاء وقتادة والسدي والكلبي وجماعة ، يدل عليه قوله تعالى : (وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) [آل عمران : ٨١] ، أي : عهدي ، وقيل معناه : لا تشدّد ولا تغلظ الأمر علينا كما شدّدت على من قبلنا من اليهود ، وذلك : أن الله فرض عليهم خمسين صلاة وأمرهم بأداء ربع أموالهم في (١) الزكاة ومن أصاب ثوبه نجاسة قطعها ، ومن أصاب ذنبا أصبح ذنبه مكتوبا على بابه ، ونحوها من الأثقال والأغلال ، وهذا معنى قول عثمان وعطاء ومالك بن أنس وأبي عبيدة وجماعة ، يدل عليه قوله تعالى : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) [الأعراف : ١٥٧] ، وقيل : الإصر ذنب لا توبة له ، معناه : اعصمنا من مثله ، والأصل فيه العقل (٢) والأحكام. قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) ، أي : لا تكلّفنا من الأعمال ما لا نطيقه ، وقيل : هو حديث النفس والوسوسة ، حكي عن مكحول أنّه قال : هو الغلمة ، [قيل : الغلمة شدّة الشهوة](٣) ، وعن إبراهيم قال : هو الحب ، وعن محمد بن عبد الوهّاب قال : [هو] العشق ، وقال ابن جريج : هو مسخ القردة والخنازير ، وقيل : هو شماتة الأعداء ، وقيل : هو الفرقة والقطيعة نعوذ بالله منها ، قوله تعالى : (وَاعْفُ عَنَّا) ، أي : تجاوز وامح عنّا ذنوبنا ، (وَاغْفِرْ لَنا) : استر علينا ذنوبنا ولا تفضحنا (وَارْحَمْنا) فإننا لا ننال العمل إلا بطاعتك ولا نترك معصيتك إلا برحمتك ، (أَنْتَ مَوْلانا) ناصرنا وحافظنا وولينا ، (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).
ع [٣٥٤] روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عزوجل : (غُفْرانَكَ رَبَّنا) ، قال الله تعالى : «قد غفرت لكم» ، وفي قوله : (لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) ، قال : «لا أؤاخذكم» ، (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) قال : «لا أحمّل عليكم إصرا» ، (وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) قال : «لا أحمّلكم» ، (وَاعْفُ عَنَّا) إلى آخرها ، قال : «عفوت عنكم وغفرت لكم ورحمتكم ونصرتكم على القوم الكافرين».
وكان معاذ بن جبل إذا ختم سورة البقرة ، قال : آمين.
[٣٥٥] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي
__________________
الكتب الستة سوى عند ابن ماجه ، ولم يروه مالك في «الموطأ» ولا أحمد في «المسند» ، ولا الشافعي في «السنن» و «الأم» مع احتياج الفقهاء له لو صح ، والله أعلم.
[٣٥٤] ـ حسن. أخرجه الطبري ٦٥٣١ عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) قال : قرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلما انتهى إلى قوله (غفرانك ربنا) قال الله عزوجل : «قد غفرت لكم ...» فذكره وفي إسناده عطاء بن السائب ، صدوق لكن اختلط ، وقد توبع ، فقد أخرجه الطبري ٦٥٣٤ من وجه آخر عن ابن عباس ، وله شاهد من مرسل السدي ، أخرجه برقم ٦٥٣٣ ، ولأصله شاهد من حديث أبي هريرة ، أخرجه برقم ٦٥٣٥ وانظر «تفسير ابن كثير» (١ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ـ ٣٤٨).
[٣٥٥] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، أبو أسامة هو حماد بن أسامة ، مرّة هو ابن شراحيل الهمداني ، عبد الله هو ابن مسعود.
ـ وهو في «شرح السنة» (٣٦٥٠) بهذا الإسناد.
__________________
(١) في المطبوع «من».
(٢) كذا في المطبوع و ـ ط ، وفي المخطوط «العقد».
(٣) زيد في المطبوع و ـ ط.