يجوز لوليه أن يؤتيه ماله هو المستحق الحجر عليه ، وهو أن يكون مبذرا في ماله أو مفسدا في دينه ، فقال جلّ ذكره : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ) ، أي : الجهال بموضع (١) الحق أموالكم التي جعل الله لكم قياما ، قرأ نافع وابن عامر «قيّما» بلا ألف ، وقرأ الآخرون (قِياماً) وأصله : قواما ، فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، وهو ملاك الأمر وما يقوم به الأمر. وأراد هاهنا قوام عيشكم الذي تعيشون به. قال الضحاك : به يقام الحج والجهاد وأعمال البرّ وبه فكاك الرقاب من النار. (وَارْزُقُوهُمْ فِيها) أي : أطعموهم ، (وَاكْسُوهُمْ) ، لمن يجب عليكم رزقه ومئونته ، وإنما قال (فِيها) ولم يقل : منها ، لأنه أراد [اجعلوا](٢) لهم فيها رزقا فالرزق من الله العطية من غير حدّ ، ومن العباد أجر مؤقت محدود. (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) عدة جميلة ، وقال عطاء : [يقول](٣) إذا ربحت أعطيتك وإن غنمت فلك فيه حظ ، وقيل : هو الدعاء ، وقال ابن زيد : إن لم يكن ممن يجب عليك نفقته ، فقل له : عافانا الله وإيّاك بارك الله فيك ، وقيل : قولا [لينا](٤) تطيب به نفوسهم (٥).
(وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (٦))
قوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى) ، الآية نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه ، وذلك أن رفاعة توفي وترك ابنه ثابتا وهو صغير ، فجاء عمه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وقال : إن ابن أخي يتيم في حجري ، فما يحل لي من ماله ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (١)(وَابْتَلُوا الْيَتامى) أي : اختبروهم في عقولهم وأديانهم وحفظهم أموالهم ، (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) ، أي : مبلغ الرجال والنساء ، (فَإِنْ آنَسْتُمْ) ، أبصرتم ، (مِنْهُمْ رُشْداً) ، قال المفسرون يعني : عقلا وصلاحا في الدين وحفظا للمال وعلما بما يصلحه. قال سعيد بن جبير ومجاهد والشعبي : لا يدفع إليه ماله وإن كان شيخا حتى يؤنس منه رشده ، والابتلاء يختلف باختلاف أحوالهم فإن كان ممن يتصرف في السوق فيدفع الولي إليه شيئا يسيرا من المال وينظر في تصرفه وإن كان ممن لا يتصرف في السوق فيختبره في نفقة داره ، والإنفاق على عبيده وأجرائه ، وتختبر المرأة في أمر بيتها وحفظ متاعها وغزلها واستغزالها ، فإذا رأى حسن تدبيره ، وتصرفه في الأمور مرارا يغلب على القلب رشده ، دفع المال إليه. واعلم أن الله تعالى علّق زوال الحجر عن الصغير وجواز دفع المال إليه بشيئين : بالبلوغ والرّشد ، والبلوغ يكون بأحد أشياء أربعة : اثنان يشترك فيهما الرجال والنساء ، واثنان مختصان (٦) بالنساء [فما يشترك فيه الرجال والنساء أمران](٨٧ أحدهما السن ، والثاني الاحتلام ، أمّا السن فإذا استكمل المولود خمس عشرة سنة حكم ببلوغه غلاما كان أو جارية ، لما :
__________________
(١) أخرجه الطبري ٨٦٤٠ عن قتادة مرسلا وذكره الواحدي في «أسبابه» (٢٩٤) بدون إسناد.
__________________
(١) في المخطوط «الموضع».
(٢) العبارة في المطبوع «أنهم جعلوا».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «أنفسهم».
(٦) كذا في المطبوع ، وفي المخطوط «تختص» وفي ـ ط «تختصان».
(٧) زيادة عن المخطوط و ـ ط.