مقدمة المحقق
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهر ، على الدين كله ولو كره الكافرون.
أما بعد : فإن الله جل ذكره أنزل القرآن مؤلفا منظما ، ونزّله بحسب المصالح منجما ، وجعله بالتحميد مفتتحا ، وبالاستعاذة مختتما.
أوحاه على قسمين متشابها ومحكما ، وفصّله سورا وسوره آيات ، وميز بينهنّ بفصول وغايات ، وما هي إلا صفات مبتدئ مبتدع.
وسمات منشئ مخترع.
فسبحان من المستأثر بالأولية والقدم. ووسم كل شيء سواه بالحدوث والعدم ، أنشأه كتابا ساطعا تبيانه ، قرآنا عربيا غير ذي عوج ، مفتاحا للمنافع الدينية والدنيوية ، مصدقا لما بين يديه من الكتب السماوية ، معجزا باقيا على وجه كل زمان ، أفحم به من طولب بمعارضته من العرب العرباء ، وعن الإتيان بسورة مثله من الخطباء الفصحاء ، ثم سهل على الخلق تلاوته.
جعل أمثاله عبرا لمن تدبرها ، وأوامره هدى لمن استبصرها ، وشرح فيه واجبات الأحكام ، وفرّق فيه بين الحلال والحرام ، وكرّر فيه المواعظ والقصص للأفهام ، وضرب فيه الأمثال وقص فيه غيب الأخبار.
ثم لم يرض منها بردّ حروفه دون حفظ حدوده ، ولا بإقامة كلماته دون العمل بمحكماته ولا بتلاوته دون تدبر آياته ، ولا بدراسته دون تعلم حقائقه ، وتفهم دقائقه.
ولا حصول لهذه المقاصد منه إلا بدراية تفسيره وأحكامه ، ومعرفة حلاله وحرامه ، وأسباب نزوله وأقسامه ، والوقوف على ناسخه ومنسوخه ، في خاصه وعامّه ، فإنه أرسخ العلوم أصلا ، وأسبغها فرعا وفصلا ، وأكرمها نتاجا ، وأنورها سراجا ، فلا شرف إلا وهو السبيل إليه ، ولا خير إلا وهو الدال عليه.
من حكم به عدل ، ومن تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، ونوره المبين ، والذكر الحكيم ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تتشعب معه الآراء ، ولا يمله العلماء ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه.
من علم علمه سبق ، ومن قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن عمل بما فيه أجر ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم.
١ ـ أنواع التفاسير : وقد قيض الله تعالى له رجالا موفقين ، وبالحق ناطقين ، حتى صنفوا في سائر علومه المصنفات ، وجمعوا في سائر فنونه المتفرقات ، كلّ على قدر فهمه ، ومبلغ علمه.
أ ـ فمنهم من جعل عمدته الحديث والأثر ، كالإمام عبد الرزاق بن همام المتوفى سنة (٢١١) والإمام