قوله تعالى : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ) ، قال الحسن : ذكر النعمة شكرها ، وأراد بقوله : (نِعْمَتِي) ، أي : نعمي لفظة واحد ومعناه جمع ؛ كقوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) [إبراهيم : ٣٤] ، (وَعَلى والِدَتِكَ) ، مريم ثم ذكر النعم فقال : (إِذْ أَيَّدْتُكَ) ، قوّيتك ، (بِرُوحِ الْقُدُسِ) ، يعني : جبريل عليهالسلام ، (تُكَلِّمُ النَّاسَ) ، يعني : وتكلم الناس ، (فِي الْمَهْدِ) ، صبيا ، (وَكَهْلاً) ، نبيا قال ابن عباس : أرسله الله وهو ابن ثلاثين سنة ، فمكث في رسالته ثلاثين شهرا ثم رفعه الله إليه ، (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ) ، يعني : الخط ، (وَالْحِكْمَةَ) ، يعني : العلم والفهم ، (وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ) ، تجعل وتصوّر ، (مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) ، كصورة الطير ، (بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً) ، حيّا يطير ، (بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ) ، وتصحح ، (الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى) ، من قبورهم أحياء ، (بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ) ، منعت وصرفت ، (بَنِي إِسْرائِيلَ) ، يعني : اليهود ، (عَنْكَ) ، حين هموا بقتلك ، (إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ) ، يعني : بالدلالات [الواضحات](١) والمعجزات ، وهي التي ذكرنا [وسميت بالبيّنات ، لأنها مما يعجز عنها سائر الخلق الذين ليسوا بمرسلين](٢) ، (فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا) ، ما هذا ، (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ، يعني : ما جاءهم به من البيّنات ، قرأ حمزة والكسائي ساحر مبين هاهنا وفي سورة هود والصف ، فيكون راجعا إلى عيسى عليهالسلام ، وفي هود يكون راجعا إلى محمد صلىاللهعليهوسلم.
(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (١١١) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢))
(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) ، [أي :](٣) ألهمتهم وقذفت في قلوبهم ، وقال أبو عبيدة : يعني أمرت و (إِلَى) صلة ، والحواريون خواص أصحاب عيسى عليهالسلام ، (أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي) ، عيسى ، (قالُوا) حين وفقتهم (آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ).
(إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) ، قرأ الكسائي «هل تستطيع» بالتاء «ربّك» بنصب الباء وهي قراءة علي وعائشة وابن عباس ومجاهد ، أي : هل تستطيع أن تدعو وتسأل ربك ، وقرأ الآخرون (يَسْتَطِيعُ) بالياء ، و (رَبُّكَ) برفع الباء ، ولم يقولوه (٤) شاكّين بقدرة الله عزوجل ولكن معناه هل ينزل ربك أم لا؟ كما يقول الرجل لصاحبه : هل تستطيع أن تنهض معي وهو يعلم أنه يستطيع ، وإنما يريد هل يفعل ذلك أم لا ، وقيل : يستطيع بمعنى يطيع ، يقال : أطاع واستطاع بمعنى واحد ، كقولهم : أجاب واستجاب ، معناه : هل يطيعك (٥) ربك بإجابة سؤالك؟ وفي الآثار من أطاع الله أطاعه الله ، وأجرى بعضهم على الظاهرة ، فقالوا : غلط القوم ، وقالوه قبل استحكام المعرفة وكانوا بشرا ، فقال لهم عيسى عليهالسلام عند الغلط استعظاما لقولهم (وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، أي : لا تشكّوا في قدرته.
(أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) ، والمائدة الخوان الذي عليه الطعام ، وهي فاعلة من : ماده يميده
__________________
(١) زيد في المخطوط أ ، والمطبوع.
(٢) زيد في المخطوط أ ، والمطبوع.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط وحده «يكونوا».
(٥) في المطبوع «يعطيك».