يَسْتَهْزِؤُنَ) ، أي : أخبار استهزائهم وجزاؤه ، أي : سيعلمون عاقبة استهزائهم إذا عذّبوا.
قوله عزوجل : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) ، يعني : [من](١) الأمم الماضية ، والقرن : الجماعة من الناس ، وجمعه قرون ، وقيل : القرن مدة من الزمان ، يقال : ثمانون سنة ، وقيل : ستون سنة ، وقيل : أربعون سنة ، وقيل : ثلاثون سنة ، ويقال : مائة سنة :
[٨٥٩] لما روي أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال لعبد [الله] بن بسر المازني : «إنك تعيش قرنا» ، فعاش مائة سنة.
فيكون معناه على هذه الأقاويل من أهل قرن ، (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) ، أي : أعطيناهم ما لم نعطكم ، وقال ابن عباس : أمهلناهم في العمر مثل قوم نوح وعاد وثمود ، يقال : مكّنته ومكنت له ، (وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً) ، يعني : المطر ، مفعال ، من الدّر ، قال ابن عباس : مدرارا أي : متتابعا في أوقات الحاجات ، وقوله : (ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) من خطاب التلوين (٢) ، رجع من الخبر من قوله : (أَلَمْ يَرَوْا) إلى الخطاب ؛ كقوله : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [يونس : ٢٢] ، وقال أهل البصرة : أخبر عنهم بقوله : (أَلَمْ يَرَوْا) وفيهم محمد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، ثم خاطبهم معهم ، والعرب تقول : قلت لعبد الله ما أكرمه ، وقلت لعبد الله : ما أكرمك ، (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا) ، خلقنا وابتدأنا ، (مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ).
قوله عزوجل : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) الآية ، قال الكلبي ومقاتل : نزلت في النضر بن الحارث وعبد الله بن أبي أميّة ونوفل بن خويلد ، قالوا : يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون عليه أنه من عند الله وأنك رسوله ، فأنزل الله عزوجل (١) : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) مكتوبا من عندي (٣) ، (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) ، أي : عاينوه ومسّوه بأيديهم ، وذكر اللمس ولم يذكر المعاينة لأن اللمس أبلغ في إيقاع العلم بالرؤية (٤) ، فإن السحر يجري على المرئي ولا يجري على الملموس ، (لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ، معناه : أنه لا ينفع معهم شيء لما سبق فيهم من علمي.
__________________
[٨٥٩] ـ جيد. علقه البخاري في «التاريخ الكبير» (١ / ٣٢٣) و «الصغير» (١ / ٢١٦) قال : قال داود بن رشيد حدثنا أبو حيوة شريح بن يزيد الحضرمي عن إبراهيم بن محمد بن زياد عن أبيه عن عبد الله بن بسر أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال له : «يعيش هذا الغلام قرنا» قال : فعاش مائة سنة.
وذكره الهيثمي في «المجمع» ١٦١١٩ بأتم منه وقال : رواه الطبراني والبزار باختصار إلا أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليدركن قرنا» ورجال أحد إسنادي البزار رجال الصحيح غير الحسن بن أيوب الحضرمي ، وهو ثقة ا ه.
وورد بنحوه عن الحسن بن أيوب الحضرمي قال : أراني عبد الله بن بسر شامة في قرنه ، فوضعت إصبعي عليها ، فقال : وضع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إصبعه عليها ، قال : «لتبلغن قرنا».
أخرجه أحمد (٤ / ١٨٩) والطبراني كما في «المجمع» ١٦١٢٠.
قال الهيثمي : ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحسن بن أيوب ، وهو ثقة ، ورجال الطبراني ثقات ا ه.
وانظر «الإصابة» (٢ / ٢٨١ ، ٢٨٢) (٤٥٦٥).
الخلاصة : هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه.
(٣) ذكره المصنف عن الكلبي ومقاتل وسنده إليهما في أول الكتاب وانظر «أسباب النزول» ٤٢٢ للواحدي.
__________________
(١) زيادة عن المخطوطتين.
(٢) في المخطوط «التكوين».
(٣) في المطبوع «عنده».
(٤) في المطبوع «من المعاينة».