(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١))
(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) ، على محمد صلىاللهعليهوسلم ، (مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) ، أي : لوجب العذاب ، وفرغ من الأمر ، وهذا سنّة الله في الكفار أنهم متى اقترحوا آية فأنزلت ثم لم يؤمنوا استؤصلوا بالعذاب ، (ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) ، أي : لا يؤجلون ولا يمهلون ، وقال قتادة : لو أنزلنا ملكا ثم لم يؤمنوا لعجّل لهم العذاب ولم يؤخروا طرفة عين ، وقال مجاهد : لقضي الأمر أي لقامت القيامة ، وقال الضحّاك : لو أتاهم ملك في صورته لماتوا.
(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً) ، يعني : لو أرسلنا إليهم ملكا ، (لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) ، يعني : في صورة رجل آدمي ، لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة.
[٨٦٠] وكان جبريل عليهالسلام يأتي النبيّ صلىاللهعليهوسلم في صورة دحية (١) الكلبي ، وجاء الملكان إلى داود في صورة رجلين. قوله عزوجل : (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) ، أي : خلطنا عليهم ما يخلطون وشبّهنا عليهم فلا يدرون أملك هو أو آدمي ، وقيل : معناه شبّهوا على ضعفائهم فشبّه عليهم ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : هم أهل الكتاب فرّقوا دينهم وحرّفوا الكلم عن مواضعه ، فلبس الله عليهم ما لبسوا على أنفسهم وقرأ الزهري «للبّسنا» بالتشديد على التكرير والتأكيد.
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) ، كما استهزئ بك يا محمد ، يعزّي (٢) نبيّه صلىاللهعليهوسلم ، (فَحاقَ) ، قال الربيع بن أنس : فنزل ، وقال عطاء : حلّ ، وقال الضحّاك : أحاط ، (بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ، أي : جزاء استهزاءهم من العذاب والنقمة.
(قُلْ) ، يا محمد لهؤلاء المكذّبين المستهزئين ، (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ، معتبرين ، يحتمل هذا السير بالعقول والفكر ، ويحتمل السير بالأقدام ، (ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) ، أي : جزاء أمرهم وكيف أورثهم الكفر والتكذيب الهلاك ، يحذّر كفار مكة عذاب الأمم الخالية.
(قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٢) وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣))
قوله عزوجل : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، فإن أجابوك وإلّا ف (قُلْ) ، أنت ، (لِلَّهِ) ، أمره بالجواب عقيب السؤال ليكون أبلغ في التأثير (٣) وآكد في الحجّة ، (كَتَبَ) ، أي : قضى ،(عَلى
__________________
[٨٦٠] ـ يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري ٤٩٨٠ ومسلم ٢٤٥١ عن أبي عثمان النهدي عن أسامة بن زيد «إن جبريل أتى النبي صلىاللهعليهوسلم ، وعنده أم سلمة ، فجعل يتحدث ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم لأم سلمة : من هذا. أو كما قال. قالت : هذا دحية ، فلما قام قالت : والله ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة النبي صلىاللهعليهوسلم يخبر خبر جبريل».
وقد ورد في أحاديث أخر ليست في «الصحيحين» انظر «الإصابة» (١ / ٤٧٣) برقم ٢٣٩٠ في ترجمة «دحية الكلبي».
__________________
(١) تصحف في المطبوع «دحي».
(٢) في المطبوع و ، أ«فعزّى».
(٣) في المطبوع «التأكيد».