مالك بن عوف أبو الأحوص الجشمي ، فقال (١) : يا محمد بلغنا أنك تحرم أشياء ممّا كان آباؤنا يفعلونه ، فقال له (٢) رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنكم قد حرّمتم أصنافا من الغنم على غير أصل ، إنّما خلق الله هذه الأزواج الثمانية للأكل والانتفاع بها ، فمن أين جاء هذا التحريم؟ من قبل الذكر أم من قبل الأنثى»؟ فسكت مالك بن عوف وتحيّر فلم يتكلّم. فلو قال جاء هذا التحريم بسبب الذكور وجب أن يحرّم جميع الذكور ، وإن كان بسبب الأنوثة وجب أن يحرّم جميع الإناث ، وإن كان باشتمال الرحم عليه فينبغي أن يحرم الكل ، لأنّ الرحم لا يشتمل إلا على ذكر وأنثى ، فأما تخصيص التحريم بالولد الخامس والسابع أو بالبعض دون البعض فمن أين؟
ويروى أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال لمالك : «يا مالك لا تتكلم»؟ قال له مالك : بل تكلّم وأسمع منك (١).
(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، قيل : أراد [به](٣) عمرو بن لحي ومن جاء بعده على طريقته ، (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، ثم بيّن أن التحريم والتحليل يكون بالوحي والتنزيل ، فقال : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) ، وروي أنهم قالوا : فما المحرم إذا فنزل : (قُلْ) يا محمد (لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) [أي شيئا محرما](عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) ، آكل يأكله ، (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) ، قرأ ابن عامر وأبو جعفر (تكون) بالتاء ، ميتة رفع ، أي : إلا أن تقع ميتة ، وقرأ ابن كثير وحمزة (تكون) بالتاء ، (مَيْتَةً) نصب على تقدير اسم مؤنث ، أي : إلا أن تكون النفس ، أي : الجثة ميتة.
وقرأ الباقون (أَنْ يَكُونَ) بالياء (مَيْتَةً) نصب ، يعني : إلا أن يكون المطعوم ميتة ، (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) ، أي : مهراقا سائلا ، قال ابن عباس : يريد ما خرج من الحيوان ، وهن أحياء وما يخرج من الأوداج عند الذبح ، ولا يدخل فيه الكبد والطحال ، لأنهما جامدان. وقد جاء الشرع بإباحتهما ولا ما اختلط باللحم من الدم ، [لأنه غير سائل ، قال عمران بن حدير (٤) : سألت أبا مجلز عمّا يختلط باللحم من الدم](٥) ، وعن القدر يرى فيها حمرة الدم ، فقال : لا بأس به ، إنما نهي عن الدم المسفوح ، وقال إبراهيم : لا بأس بالدم في عرق أو مخ ، إلا المسفوح الذي يعمد ذلك. وقال عكرمة : لو لا هذه الآية لاتّبع المسلمون من العروق ما يتبع اليهود. (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) ، وهو ما ذبح على غير اسم الله تعالى. فذهب بعض أهل العلم إلى أن التحريم مقصور على هذه الأشياء. ويروى ذلك عن عائشة وابن عباس ، قالوا : ويدخل في الميتة المنخنقة والموقوذة ، وما ذكر في أول سورة المائدة ، وأكثر العلماء على أن التحريم لا يختصّ بهذه الأشياء بل المحرم بنص الكتاب ما ذكر هنا. وذلك معنى قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) ، وقد حرّمت السنّة أشياء يجب القول بها ، منها ما :
[٨٩٦] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ثنا عبد الغافر بن محمد [أخبرنا محمد](٦) بن عيسى الجلودي ثنا
__________________
(١) هو كسابقه.
[٨٩٦] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.
معاذ هو ابن معاذ العنبري ، شعبة هو ابن الحجاج ، الحكم هو ابن عتيبة.
وهو في «شرح السنة» ٢٧٨٩ بهذا الإسناد ، وفي «صحيح مسلم» ١٩٣٤ عن عبيد الله بن معاذ العنبري بهذا الإسناد.
__________________
(١) في المطبوع «قالوا».
(٢) في المطبوع «لهم».
(٣) زيادة عن المخطوطتين وط.
(٤) تصحف في المطبوع «جرير».
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».