نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) ، أهلكوها بالعذاب ، (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤))
قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) ، أراد به في مقدار ستّة أيام لأن اليوم من لدن طلوع الشمس إلى غروبها ، ولم يكن يومئذ يوم ولا شمس ولا سماء ، وقيل : ستة أيام كأيام الآخرة كل يوم ألف سنة. وقيل : كأيام الدنيا. قال سعيد بن جبير : كان الله عزوجل قادرا على خلق السموات والأرض في لمحة ولحظة ، فخلقهن في ستة أيام تعليما لخلقه التثبّت والتأنّي في الأمور.
[٩٢٦] وقد جاء في الحديث : «التأنّي من الرحمن والعجلة من الشيطان».
(ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) ، قال الكلبي ومقاتل : استقرّ. وقال أبو عبيدة : صعد. وأوّلت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء (١). فأمّا أهل السنة يقولون : الاستواء على العرش صفة لله تعالى بلا كيف يجب على الرجل الإيمان به ويكل العلم فيه إلى الله عزوجل.
وسأل رجل مالك بن أنس عن قوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥)) ، كيف استوى؟ فأطرق رأسه مليا وعلاه الرحضاء ثم قال : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وما أظنك إلا ضالّا ، ثم أمر به فأخرج. وروي عن سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك وغيرهم من علماء السنّة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات المتشابهات : أمرّوها كما جاءت بلا كيف. والعرش في اللغة : هو السرير. وقيل : هو
__________________
[٩٢٦] ـ حسن. أخرجه أبو يعلى ٤٢٥٦ والبيهقي (١٠ / ١٠٤) من طريق الليث عن يزيد عن سعد بن سنان عن أنس مرفوعا ، وإسناده ضعيف ، لضعف سعد بن سنان أو سنان بن سعد.
وذكره السخاوي في «المقاصد» ٣١٢ وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن منيع والحارث بن أبي أسامة.
وقال الهيثمي في «المجمع» (٨ / ١٩) : رواه أبو يعلى ورجاله ثقات ا ه.
وله شاهد من حديث سهل بن سعد عند الترمذي ٢٠١٢ وقال : هذا حديث غريب وقد تكلم بعض أهل الحديث في عبد المهيمن بن عباس بن سهل ، وضعفه من قبل حفظه .... ا ه.
وله شاهد عن قتادة مرسل عند الطبري ٣١٦٨٨ بلفظ : «التبيّن من الله ، والعجلة من الشيطان» وفيه قصة.
ولقوله : «التأني من الرحمن» شاهد من حديث ابن عباس «أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لأشج عبد القيس : إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة».
أخرجه مسلم ١٧ والترمذي ٢٠١٢.
الخلاصة : هو حديث حسن بطرقه وشواهده.
(١) قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (٢ / ٢٨٠) عند هذه الآية : وأما قوله تعالى : ( ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ) فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا ، ليس هذا موضع بسطها ، وإنما يسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح : مالك والأوزاعي ، والثوري ، والليث بن سعد ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا ، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ، لا تشبيه ولا تعطيل ، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله ، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ بل الأمر كما قال الأئمة. منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري : من شبّه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه ، فقد كفر.
وليس فيما وصف الله به نفسه ، ولا رسوله تشبيه ، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة ، والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى ، ونفى عن الله تعالى النقائص ، فقد سلك سبيل الهدى.