والأنفال : الغنائم ، واحدها نفل ، وأصله الزيادة ، يقال نفلتك وأنفلتك أي زدتك. وسمّيت الغنائم أنفالا لأنها زيادة من الله لهذه الأمة على الخصوص. وأكثر المفسّرين على أن الآية في غنائم بدر.
وقال عطاء : هي ما شذّ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو أمة أو متاع فهو للنبيّ صلىاللهعليهوسلم يصنع به ما شاء. (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) ، يقسمانها كما شاءا واختلفوا فيه ، فقال مجاهد وعكرمة والسدي : هذه الآية منسوخة بقوله عزوجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية [الأنفال : ٤١]. كانت الغنائم يومئذ للنبيّ صلىاللهعليهوسلم فنسخها الله عزوجل بالخمس. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هي ثابتة غير منسوخة ، ومعنى الآية : قل الأنفال لله مع الدنيا والآخرة وللرسول يضعها حيث أمره الله تعالى ، أي : الحكم فيها لله ولرسوله ، وقد بيّن الله مصارفها في قوله عزوجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) [الأنفال : ٤١] الآية. (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) ، أي : اتّقوا الله بطاعته وأصلحوا الحال بينكم بترك المنازعة والمخالفة ، وتسليم أمر الغنيمة إلى الله والرسول صلىاللهعليهوسلم. (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤))
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) ، يقول ليس المؤمن الذي يخالف الله ورسوله إنما المؤمنون الصادقون في إيمانهم ، (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) ، خافت وفرقت (١) قلوبهم. وقيل : إذا خوّفوا بالله انقادوا خوفا من عقابه. (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) ، تصديقا ويقينا. وقال عمير بن حبيب وكانت له صحبة : إن للإيمان زيادة ونقصانا ، قيل : فما زيادته؟ قال : إذا ذكرنا الله عزوجل وحمدناه فذلك زيادته ، وإذا سهونا وغفلنا فذلك نقصانه ، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي : إن للإيمان فرائض وشرائع وحدودا وسننا فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان. (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ، أي : يفوّضون إليه أمورهم ويثقون به ولا يرجون غيره ولا يخافون سواه.
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)).
(أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) ، يعني يقينا. قال ابن عباس : برءوا من الكفر. وقال مقاتل : حقا لا شكّ في إيمانهم. وفيه دليل على أنه ليس لكل أحد أن يصف نفسه بكونه مؤمنا حقا لأن الله تعالى إنما وصف بذلك قوما مخصوصين على أوصاف مخصوصة ، وكل أحد لا يتحقّق وجود تلك الأوصاف فيه. وقال ابن أبي نجيح : سأل رجل الحسن فقال : أمؤمن أنت؟ فقال : إن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنّة والبعث والحساب ، فأنا بها مؤمن ، وإن كنت تسألني عن قوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) الآية ، فلا أدري أمنهم أنا أم لا؟
وقال علقمة : كنّا في سفر فلقينا قوما فقلنا : من القوم؟ قالوا : نحن المؤمنون حقا ، فلم ندر ما نجيبهم حتى لقينا عبد الله بن مسعود فأخبرناه بما قالوا ، قال : فما رددتم عليهم؟ قلنا : لم نردّ عليهم شيئا ، قال : أفلا قلتم أمن أهل الجنّة أنتم؟ إن المؤمنين أهل الجنّة.
__________________
(١) في المخطوط «مزقت».