وقال سفيان الثوري : من زعم أنه مؤمن حقا عند الله ، ثم لم يشهد أنه في الجنّة فقد آمن بنصف الآية دون النصف. (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، قال عطاء : يعني درجات الجنّة يرتقونها بأعمالهم. وقال الربيع بن أنس : سبعون درجة ما بين كل درجتين حضر الفرس المضمّر سبعين خريفا. (وَمَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) ، حسن يعني ما أعد [الله](١) لهم في الجنّة.
(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧))
قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ) ، اختلفوا في الجالب لهذه الكاف التي في قوله (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ) ، قال المبرد : تقديره الأنفال لله والرسول وإن كرهوا كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن كرهوا. وقيل : تقديره : امض لأمر الله في الأنفال (٢) وإن كرهوا كما أمضيت لأمر الله في الخروج من البيت لطلب العير وهم كارهون. وقال عكرمة : معناه فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن ذلك خير لكم كما أن إخراج محمد صلىاللهعليهوسلم من بيته بالحق خير لكم ، وإن كرهه فريق منكم. وقال مجاهد : معناه كما أخرجك ربك من بيتك بالحق على كره فريق منهم ، كذلك يكرهون القتال ويجادلون فيه. وقيل : هو راجع إلى قوله : (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، تقديره : وعد الدرجات لهم حقّ حتى ينجزه الله عزوجل كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ، فأنجز الوعد بالنصر والظفر. وقيل : الكاف بمعنى على ، تقديره : امض على الذي أخرجك ربّك. وقال أبو عبيدة : هي بمعنى القسم مجازا والذي أخرجك ، لأن ما في موضع الذي ، وجوابه (يُجادِلُونَكَ) ، وعليه يقع القسم ، تقديره : يجادلونك والله الذي أخرجك ربّك من بيتك بالحق. وقيل : الكاف بمعنى إذ تقديره : واذكر إذ أخرجك ربّك. وقيل : المراد بهذا الإخراج هو إخراجه من مكة إلى المدينة. والأكثرون على أن المراد منه إخراجه من المدينة إلى بدر ، أي : كما أمرك ربك بالخروج من بيتك إلى المدينة بالحق ، قيل : بالوحي لطلب المشركين ، (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، منهم ، (لَكارِهُونَ).
(يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِ) ، أي : في القتال ، (بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) ، وذلك أن المؤمنين لمّا أيقنوا بالقتال كرهوا ذلك ، وقالوا : لم تعلمنا أنا نلقى العدو فنستعدّ لقتالهم ، وإنّما خرجنا للعير ، فذلك جدالهم بعد ما تبيّن لهم أنك ما تصنع (٣) إلّا ما أمرك [الله](٤) ، وتبيّن صدقك في الوعد ، (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) لشدّة كراهيتهم القتال ، (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) ، فيه تقديم وتأخير ، تقديره : وإنّ فريقا من المؤمنين لكارهون كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون يجادلونك في الحق بعد ما تبيّن. قال ابن زيد : هؤلاء المشركون جادلوه في الحق كأنما يساقون إلى الموت حين يدعون إلى الإسلام لكراهيتهم إيّاه وهم ينظرون.
قوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ).
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «الأموال».
(٣) في المطبوع «تضع».
(٤) زيادة عن المخطوط.