[٩٧٣] قال ابن عباس وابن الزبير ومحمد بن إسحاق والسدي : أقبل أبو سفيان من الشام في عير لقريش في أربعين راكبا من كبار قريش فيهم عمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل الزهري ، وفيها تجارة كثيرة وهي اللّطيمة حتى إذا كانوا قريبا من بدر ، فبلغ النبيّ صلىاللهعليهوسلم ذلك فندب أصحابه إليه وأخبرهم بكثرة المال وقلّة العدد ، وقال : هذه عير قريش فيها أموالهم (١) فاخرجوا إليها لعلّ الله تعالى أن ينفلكموها ، فانتدب الناس فخفّ بعضهم وثقل بعض (٢) ، وذلك أنهم لم يظنّوا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يلقى حربا ، فلما سمع أبو سفيان بمسير النبيّ صلىاللهعليهوسلم استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لعيرهم في أصحابه ، فخرج ضمضم سريعا إلى مكة.
وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له : يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفزعتني وخشيت أن يدخل على قومك منها شرّ ومصيبة ، فاكتم عليّ ما أحدثك ، قال لها : وما رأيت؟ قالت : رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ، ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ، فأرى الناس قد اجتمعوا إليه ، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل [به](٣) بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها بأعلى صوته : ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ، ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضّت [وتطايرت](٤) فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلتها منها فلقة ، فقال العباس : والله إنّ هذه الرؤيا رأيت! فاكتميها ولا تذكريها لأحد ، ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وكان له صديقا فذكرها له واستكتمه إيّاها ، فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث حتى تحدّثت به قريش.
قال العباس : فغدوت أطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدّثون برؤيا عاتكة ، فلما رآني أبو جهل قال : يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا ، قال : فلما فرغت [من طوافي](٥) أقبلت حتى جلست معهم ، فقال لي أبو جهل : يا بني عبد المطلب متى حدثت هذه النبية فيكم؟ قلت : وما ذاك؟ قال : الرؤيا التي رأت [أختك](٦) عاتكة؟ قلت : وما رأت؟ قال : يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم؟ قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال : انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث ، فإن يك ما قالت حقا فسيكون ، وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيئا نكتب عليكم كتابا إنكم أكذب أهل بيت في العرب ، فقال العباس : والله ما كان مني إليه كبير
__________________
[٩٧٣] ـ أخرجه الطبري ١٥٧٣٢ من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن مسلم الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ، ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا ، عن عبد الله بن عباس كل قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالوا : لما سمع ... فذكره بنحوه.
وأخرجه الطبري ١٥٧٣٣ عن السدي مرسلا بنحوه.
وانظر «دلائل النبوة» (٣ / ١٠١ ، ١٢٠) للبيهقي.
وانظر «السيرة النبوية» (٢ / ١٨٨ ، ١٩٦) ولبعضه شواهد في الصحيح.
__________________
(١) تصحف في المطبوع «أموالكم».
(٢) في المطبوع «بعضهم».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.