فلمّا قال ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال له سعد بن معاذ : والله لكأنّك تريدنا يا رسول الله؟ قال : أجل ، قال : فإنّا قد آمنّا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئتنا به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلّف منّا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدا إنّا لصبر عند الحرب صدق في اللقاء ، ولعلّ الله تعالى يريك منّا ما تقرّ به عينك (١) ، [فسر بنا على بركة الله](١) ، فسرّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقول سعد ونشّطه ذلك ، [ثم](٢) قال : «سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن انظر إلى مصارع القوم».
قال ثابت عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان» ، قال : ويضع يده على الأرض هاهنا وهاهنا ، قال : فما ماط أحد عن موضع يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فذلك قوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) ، أي : الفريقين إحداهما أبو سفيان مع العير والأخرى أبو جهل مع النفير ، (وَتَوَدُّونَ) ، أي : تريدون (أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) ، يعني العير التي ليس فيها قتال. والشوكة : الشدّة والقوة. ويقال : السلاح. (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَ) ، أي : يظهره ويعليه ، (بِكَلِماتِهِ) ، بأمره إياكم بالقتال. وقيل : بعداته التي سبقت من إظهاره الدين وإعزازه ، (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) ، أي : يستأصلهم حتى لا يبقى منهم أحد ، يعني : كفّار العرب.
(لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩))
(لِيُحِقَّ الْحَقَ) ، ليثبت الإسلام ، (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) ، أي : يفني الكفر (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) ، المشركون. وكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة ليلة من شهر رمضان.
قوله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) ، تستجيرون به من عدوّكم وتطلبون منه الغوث والنصر.
[٩٧٤] وروي عن ابن عباس قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لمّا كان يوم بدر نظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المشركين ، وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، فدخل العريش هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ، واستقبل القبلة ومدّ يده فجعل يهتف بربّه عزوجل : «اللهمّ أنجز لي ما وعدتني ، اللهمّ إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» ، فما زال يهتف بربّه عزوجل مادّا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأخذ أبو بكر رداءه فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه وقال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربّك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عزوجل : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي
__________________
(١) انظر الحديث المتقدم برقم : ٧٧٧ (سورة المائدة آية : ٢٤)
[٩٧٤] ـ صحيح. أخرجه مسلم ١٧٦٣ وابن حبان ٤٧٩٣ والبيهقي (٦ / ٣٢١) وفي «الدلائل» (٣ / ٥١ ، ٥٢) من طرق عن زهير بن حرب أبي خيثمة عن عمر بن يونس عن عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن ابن عباس به مطوّلا.
وأخرجه الترمذي ٣٠٨١ من طريق محمد بن بشار عن عمر بن يونس بالإسناد المذكور. وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه الطبري ١٥٧٤٧ من طريق ابن المبارك عن عكرمة بن عمار عن أبي زميل سماك الحنفي عن ابن عباس به.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط و «السيرة».
(٢) زيادة عن المخطوط.