فرّ من ثلاثة فلم يفر ، ومن فرّ من اثنين فقد فرّ.
(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧))
قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) ، قال مجاهد : سبب نزول هذه الآية أنهم لمّا انصرفوا عن القتال كان الرجل يقول : أنا قتلت فلانا ويقول الآخر مثله ، فنزلت [هذه](١) الآية. ومعناه : فلم تقتلوهم أنتم بقوّتكم ولكنّ الله قتلهم بنصرته إيّاكم وتقويته لكم. وقيل : ولكن الله قتلهم بإمداد الملائكة. (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).
[٩٨٢] قال أهل التفسير والمغازي (٢) : ندب رسول الله صلىاللهعليهوسلم الناس فانطلقوا حتى نزلوا بدرا ، ووردت عليهم روايا قريش ، وفيهم أسلم غلام أسود لبني الحجاج وأبو يسار غلام لبني العاص بن سعيد ، فأتوا بهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال لهما : «أين قريش»؟ قالا : هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى ، والكثيب : العقنقل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كم القوم»؟ قالا : كثير ، قال : «ما عدّتهم»؟ قالا : لا ندري ، قال : «كم ينحرون كلّ يوم»؟ قالا : يوما عشرة ويوما تسعة ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «القوم ما بين التسع مائة إلى الألف» ، ثم قال لهما : «فمن فيهم من أشراف قريش»؟ قالا : عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البختري ابن هشام وحكيم بن حزام والحارث بن عامر ، وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث وأبو جهل بن هشام وأميّة بن خلف ، ونبيه ومنبّه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها» ، فلما أقبلت قريش ورآها رسول الله صلىاللهعليهوسلم [تصوب](٣) من العقنقل وهو الكثيب الذي جاءوا منه إلى الوادي قال لهم : «هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذّب رسولك ، اللهمّ فنصرك الذي وعدتني» ، فأتاه جبريل عليهالسلام وقال له : خذ قبضة من تراب فارمهم بها ، فلمّا التقى الجمعان تناول كفّا من حصى عليه تراب فرمى به في وجوه القوم ، وقال : «شاهت الوجوه» ، فلم يبق منهم مشرك إلّا ودخل في عينيه وفمه ومنخريه منها شيء ، فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم.
[٩٨٣] وقال قتادة [و] ابن (١) زيد : ذكر لنا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى بحصاة في ميمنة القوم وحصاة في ميسرة القوم وحصاة بين أظهرهم ، وقال : «شاهت الوجوه» ، فانهزموا ، فذلك قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) ، إذ ليس في وسع أحد من البشر أن يرمي كفا من الحصا إلى وجوه جيش فلا يبقى فيهم عين إلّا ويصيبها منه شيء. وقيل : معنى [الآية] وما بلّغت إذ رميت ولكنّ الله بلّغ. وقيل : وما رميت بالرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصباء (٤) ولكنّ الله رمى بالرعب في قلوبهم حتى انهزموا ، (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) ، أي : ولينعم على المؤمنين نعمة عظيمة
__________________
[٩٨٢] ـ انظر مسند أحمد (١ / ١١٧) و «الدر المنثور» (٣ / ٣٠٧).
(١) ما بين المعقوفتين مستدرك من ط.
[٩٨٣] ـ ضعيف. أخرجه الطبري ١٥٨٣٩ عن ابن زيد مرسلا ، وذكره السيوطي في «الدر» (٣ / ٣١٦ ، ٣١٧) ونسبه لابن أبي حاتم وابن زيد واه ، وهذا معضل ، والصحيح أنه عليهالسلام ألقى الحصى من غير تعيين عدد أو مكان كل واحدة.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «والمعاني».
(٣) زيد في المطبوع وط.
(٤) في المخطوط «بالحصى».