بينهم فعذّبوا وأذن الله لهم في فتح مكة ، فهو العذاب الذي وعدهم الله. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لم يعذب الله قرية حتى يخرج النبيّ منها والذين آمنوا ويلحق بحيث أمر. فقال : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)) ، يعني المسلمين فلما خرجوا قال الله تعالى : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) ، فعذّبهم الله يوم بدر.
وقال أبو موسى الأشعري [رضي الله عنه](١) : كان فيكم أمانان : وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم ، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ، فأمّا النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقد مضى والاستغفار كائن فيكم إلى يوم القيامة.وقال بعضهم : هذا الاستغفار راجع إلى المشركين ، وذلك أنهم كانوا يقولون بعد الطواف : غفرانك غفرانك.
وقال يزيد بن رومان : قالت قريش : [اللهمّ](٢) إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، فلما أمسوا ندموا على ما قالوا ، فقالوا : غفرانك اللهمّ ، فقال الله عزوجل : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ، وقال قتادة والسدي : وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ، أي : لو استغفروا ولكنهم لم يكونوا يستغفرون ، ولو أنهم أقرّوا بالذنب واستغفروا لكانوا مؤمنين ، وقيل : هذا يدعوهم إلى الإسلام والاستغفار بهذه الكلمة كالرجل يقول لغيره : لا أعاقبك وأنت تطيعني ، أي : أطعني حتى لا أعاقبك. وقال مجاهد وعكرمة : (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ، أي : يسلمون. يقول : لو أسلموا لما عذّبوا. وروى الوالبي (٣) عن ابن عباس [أي :] وفيهم من سبق له من الله أنه يسلم ويؤمن ويستغفر ، وذلك مثل أبي سفيان وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام وغيرهم. وروى عبد الوهّاب عن مجاهد (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ، أي : وفي أصلابهم من يستغفر.
(وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤))
قوله تعالى : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) ، أي : وما يمنعهم من أن يعذبوا ، يريد بعد خروجك من بينهم ، (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، أي : يمنعون المؤمنين من الطواف بالبيت. وقيل : أراد بالعذاب الأول عذاب الاستئصال ، وأراد بقوله : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) ، أي : بالسيف. وقيل : أراد بالأول عذاب الدنيا ، وبهذه الآية عذاب الآخرة. وقال الحسن : الآية الأولى وهي قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) منسوخة بقوله تعالى : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) ، قال الحسن : كان المشركون يقولون نحن أولياء المسجد الحرام ، فردّ الله عليهم بقوله : (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) ، أي :أولياء البيت ، (إِنْ أَوْلِياؤُهُ) ، أي : ليس أولياء البيت ، (إِلَّا الْمُتَّقُونَ) ، يعني : المؤمنين الذين يتقون الشرك ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
(وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) هو علي بن أبي طلحة. روى تفسيرا كاملا عن ابن عباس.