واختلف العلماء في هذا التأجيل وفي هؤلاء الذين برىء الله ورسوله (١) إليهم من العهود التي كانت بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال جماعة : هذا تأجيل من الله تعالى للمشركين ، فمن كانت مدة عهده أقلّ من أربعة أشهر رفعه إلى أربعة أشهر ، ومن كانت مدته أكثر من أربعة أشهر حطّه إلى أربعة أشهر ، ومن كانت مدّة عهده بغير أجل محدود حدّه بأربعة أشهر ، ثم هو حرب بعد ذلك لله ورسوله ، فيقتل حيث يدرك ويؤسر (٢) ، إلا أن يتوب ، وابتداء هذا الأجل يوم الحجّ الأكبر وانقضاؤه إلى عشر من شهر ربيع الآخر ، فأمّا من لم يكن له عهد فإنما أجله انسلاخ الأشهر الحرم ، وذلك خمسون يوما. وقال الزهري : الأشهر الأربعة شوال وذو القعدة وذو الحجّة والمحرم ، لأن هذه الآية نزلت في شوال ، والأول هو الأصوب وعليه الأكثرون. وقال الكلبي : إنما كانت الأربعة الأشهر لمن كان له عهد دون أربعة أشهر فأتمّ له أربعة أشهر ، فأمّا من كان له عهد أكثر من أربعة أشهر فهذا أمر بإتمام (٣) عهده ، بقوله : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) [التوبة : ٤]. قال الحسن : أمر الله عزوجل رسوله صلىاللهعليهوسلم بقتال من قاتله من المشركين ، فقال : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) [البقرة : ١٩٠] ، فكان لا يقاتل إلّا من قاتله ثم أمره بقتال المشركين ، والبراءة منهم ، وأجلهم أربعة أشهر ، فلم يكن لأحد منهم أجل أكثر من أربعة أشهر لا من كان له عهد قبل البراءة (٤) ولا من لم يكن له عهد ، فكان الأجل لجميعهم أربعة أشهر. وأحلّ دماء جميعهم من أهل العهد وغيرهم بعد انقضاء الأجل. وقيل : نزلت هذه قبل تبوك.
[١٠٢٩] قال محمد بن إسحاق ومجاهد وغيرهما : نزلت في أهل مكّة وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم عاهد قريشا عام الحديبية على أن يضعوا الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ودخل بنو بكر في عهد قريش ثم عدت بنو بكر على خزاعة فنالت منها وأعانتهم قريش بالسلاح ، فلما تظاهر بنو بكر وقريش على خزاعة ونقضوا عهدهم خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى وقف على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال :
لا همّ إنّي ناشد (١) محمدا |
|
حلف أبينا وأبيه الأتلدا (٢) |
فانصر هداك الله نصرا أبدا |
|
وادع عباد الله يأتوك مددا |
أبيض مثل الشمس يسموا صعدا |
|
إن سيم خسفا (٥) وجهه تربّدا |
هم بيّتونا بالهجير هجّدا |
|
وقتلونا ركّعا وسجّدا |
كنت لنا أبا وكنّا ولدا |
|
ثمّ (٦) أسلمنا ولم ننزع يدا |
__________________
[١٠٢٩] ـ انظر هذا الخبر في «سيرة ابن هشام» (٤ / ٣٠ ، ٣١ و ١٤٥ و ١٤٦) و «تفسير الطبري» ٧٦ و ١٦٣ و ١٦٣٩١ و «المستدرك» للحاكم (٣ / ٥١) (٤٣٧٤) وتفسيري القرطبي والشوكاني عند هذه الآية.
وورد بنحوه من حديث أبي بكر عند أحمد (١ / ٣) وأبي يعلى ١٠٤.
وانظر الحديث الآتي برقم : ١٠٣١.
(١) ناشد : طالب ومذكر.
(٢) الأتلد : القديم.
__________________
(١) زيد في المخطوط «منهم» بين «رسوله» و «إليهم».
(٢) في المطبوع «ويؤثر» والتصويب عن المخطوط.
(٣) تصحف في المخطوط «بتمام».
(٤) في المطبوع «البرء» والمثبت عن المخطوط.
(٥) في المخطوط «حسنا».
(٦) في المطبوع «ثمّت».