فيهم رسول الله قد تجرّدا (١) |
|
في فيلق (٢) كالبحر يجري مزبدا |
إن قريشا أخلفوك الموعدا |
|
ونقضوا ميثاقك المؤكّدا |
وزعموا أن لست تنجي أحدا |
|
وهم أذلّ وأقلّ عددا |
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا نصرت إن لم أنصرك» (١) ، و (٢) تجهّز إلى مكة (٣) سنة ثمان من الهجرة ، فلما كان سنة تسع أراد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يحجّ ثم قال : إنه يحضر المشركون فيطوفون عراة فبعث أبا بكر تلك السنة أميرا على الموسم ليقيم للناس الحجّ ، وبعث معه أربعين آية من صدر براءة ليقرأها على أهل الموسم ، ثم بعث بعده عليا كرّم الله وجهه على ناقته العضباء ليقرأ على الناس صدر براءة ، وأمره أن يؤذّن بمكة ومنى وعرفة أن قد برئت ذمّة الله وذمة رسوله صلىاللهعليهوسلم من كل مشرك ، [ألا] لا يطوف بالبيت عريان ، فرجع أبو بكر فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنزل في شأني شيء؟ قال : «لا ولكن لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلّا رجل من أهلي أما ترضى يا أبا بكر أنك كنت معي في الغار وأنك صاحبي على الحوض» (٣)؟ قال : بلى يا رسول الله ، فسار أبو بكر رضي الله عنه أميرا على الحجّ وعليّ رضي الله عنه ليؤذّن ببراءة ، فلمّا كان قبل يوم التروية بيوم خطب أبو بكر الناس وحدّثهم عن مناسكهم ، وأقام للناس الحج والعرب في تلك السنة على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية من الحجّ ، حتى إذا كان يوم النحر قام عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه فأذّن في الناس بالذي أمر به وقرأ عليهم سورة براءة.
[١٠٣٠] وقال زيد بن تبيع : سألنا عليا : بأي شيء بعثت في تلك الحجّة؟ قال : بعثت بأربع : لا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين النبيّ صلىاللهعليهوسلم عهد فهو إلى مدّته ، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر ، ولا يدخل الجنّة إلا نفس مؤمنة ، ولا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا. ثم حجّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم سنة عشر حجّة الوداع.
فإن قال قائل : كيف بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا بكر رضي الله عنه ثم عزله وبعث عليا رضي الله عنه؟ قلنا : ذكر العلماء أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يعزل أبا بكر رضي الله عنه ، وكان هو الأمير (٤) وإنما بعث عليا رضي الله عنه لينادي بهذه الآيات ، وكان السبب فيه أن العرب تعارفوا فيما بينهم في عقد العهود ونقضها أن لا يتولّى ذلك إلا سيدهم أو رجل من رهطه ، فبعث عليا رضي الله عنه إزاحة للعلّة لئلا يقولوا : هذا (٥) خلاف ما نعرفه فينا في نقض العهد (٦) ، والدليل على أن أبا بكر رضي الله عنه كان هو الأمير ما :
__________________
(١) تجرد : شمّر وتهيأ للحرب.
(٢) الفيلق : العسكر الكثير.
(٣) هذا اللفظ ورد بنحوه من حديث ابن عباس عند ابن عدي في «الكامل» (٣ / ٢٥٦).
وانظر الحديث الآتي برقم : ١٠٧١.
[١٠٣٠] ـ جيد. أخرجه الترمذي ٣٠٩٢ والحاكم (٣ / ٥٢) والطبري ١٦٣٨٧ وإسناده لا بأس به بل هو حسن في الشواهد ، وله شواهد انظر تفصيل ذلك في «أحكام القرآن» ١٠٨٣ وتفسير الشوكاني ١٠٨١ بتخريجي.
__________________
(١) في المخطوط «أنصرك».
(٢) في المخطوط «ثم» بدل «و».
(٣) زيد في المخطوط «ففتح مكة».
(٤) العبارة في المطبوع «وكان أميرا» والمثبت من المخطوط.
(٥) زيد في المخطوط «على» قبل «خلاف».
(٦) في المخطوط «العهود».