مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ).
(إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥))
(إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، هذا استثناء من قوله : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١))(١) ، إلا من عهد الذين عاهدتم من المشركين ، وهم بنو ضمرة حيّ من كنانة ، أمر الله تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم بإتمام عهدهم إلى مدّتهم ، وكان قد بقي من مدّتهم تسعة أشهر ، وكان السبب فيه أنهم لم ينقضوا العهد ، وهذا معنى قوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) ، من عهدهم الذي عاهدتموهم عليه ، (وَلَمْ يُظاهِرُوا) ، لم يعاونوا (عَلَيْكُمْ أَحَداً) من عدوّكم. وقرأ عطاء بن يسار : لم ينقضوكم ، بالضاد المعجمة من نقض العهد ، (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ) ، فأوفوا لهم بعهدهم ، (إِلى مُدَّتِهِمْ) ، إلى أجلهم الذي عاهدتموهم عليه ، (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).
قوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ) ، انقضى ومضى (الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) ، قيل : هي الأشهر [الحرم](٢) الأربعة : رجب وذو القعدة وذو الحجّة والمحرم. وقال مجاهد وابن إسحاق : هي شهور العهد فمن كان له عهد فعهده أربعة أشهر ، ومن لا عهد له فأجله إلى انقضاء المحرم خمسون يوما. وقيل لها حرم لأن الله تعالى حرّم فيها على المؤمنين دماء المشركين والتعرّض لهم. فإن قيل : هذا القدر بعض الأشهر الحرم ، والله تعالى يقول : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ)؟ قيل : لمّا كان هذا القدر متّصلا بما مضى أطلق عليه اسم الجمع ، ومعناه : مضت المدّة المضروبة التي يكون معها انسلاخ. [مدة](٣) الأشهر الحرم. قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ، في الحلّ والحرم ، (وَخُذُوهُمْ) ، وأسروهم ، (وَاحْصُرُوهُمْ) ، أي : احبسوهم. قال ابن عباس رضي الله عنه : يريد إن تحصّنوا فاحصروهم ، أي : امنعوهم من الخروج. وقيل : امنعوهم من دخول مكّة والتصرّف في بلاد الإسلام. (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) ، أي : على كل طريق ، والمرصد الموضع الذي يرقب فيه العدو من رصدت الشيء أرصده إذا ترقّبته ، يريد كونوا لهم رصدا لتأخذوهم من أيّ وجه توجّهوا. وقيل : اقعدوا لهم بطريق مكّة حتى لا يدخلوها ، (فَإِنْ تابُوا) من الشرك ، (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) ، يقول : دعوهم فليتصرّفوا في أمصارهم ويدخلوا مكّة ، (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) ، لمن تاب ، (رَحِيمٌ) به. وقال الحسين بن الفضل : هذه الآية نسخت كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء.
(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨))
__________________
(١) زيد في المخطوط «إلى الناس» قبل «إلا».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.