قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) ، [أي : وإن استجارك أحد من المشركين](١) الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم ، (اسْتَجارَكَ)(٢) ، أي : استأمنك بعد انسلاخ الأشهر الحرم ليسمع كلام الله ، (فَأَجِرْهُ) ، فأعذه وآمنه ، (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) ، فيما له وعليه من الثواب والعقاب ، (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) ، أي : إن لم يسلم أبلغه مأمنه ، أي : الموضع الذي يأمن فيه وهو دار قومه ، فإن قاتلك بعد ذلك فقدرت عليه فاقتله ، (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) ، أي : لا يعلمون دين الله وتوحيده (٣) فهم محتاجون إلى سماع كلام الله. قال الحسن : هذه الآية محكمة إلى يوم القيامة.
قوله تعالى : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) ، هذا على وجه التعجّب ، ومعناه جحد ، أي : لا يكون لهم عهد عند الله ولا عند رسوله وهم يغدرون وينقضون العهد ، ثم استثنى فقال جلّ وعلا : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، قال ابن عباس : هم قريش. وقال قتادة : هم أهل مكة الذين عاهدهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم الحديبية. قال الله تعالى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ) ، أي : على العهد ، (فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) ، فلم يستقيموا ونقضوا العهد وأعانوا بني بكر على خزاعة ، فضرب لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد الفتح أربعة أشهر يختارون من أمرهم إمّا أن يسلموا وإمّا أن يلحقوا بأي بلاد [الله](٤) شاءوا ، فأسلموا قبل الأربعة الأشهر. قال السدي والكلبي وابن إسحاق : هم [من] قبائل بكر : بنو خزيمة (٥) وبنو (٦) مدلج وبنو ضمرة وبنو الديل ، وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية فلم يكن نقض العهد إلا قريش وبنو الديل من بني بكر ، فأمر (٧) بإتمام العهد لمن لم ينقض وهم بنو ضمرة. وهذا القول أقرب إلى الصواب لأن هذه الآيات نزلت بعد نقض قريش العهد وبعد فتح مكّة ، فكيف يقول لشيء قد مضى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) ، وإنما هم الذين قال عزوجل : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) كما نقصكم قريش ، ولم يظاهروا عليكم أحدا كما ظاهرت قريش بني بكر على خزاعة وحلفاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).
قوله تعالى : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) ، هذا مردود على الآية الأولى تقديره : كيف يكون لهم عهد عند الله وإن يظهروا عليكم ، (لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) ، قال الأخفش : كيف لا تقتلونهم (٨) وهم إن يظهروا عليكم ، أي : يظفروا بكم ، لا يرقبوا : لا يحفظوا. وقال الضحاك : لا ينتظروا. وقال قطرب : لا يراعوا فيكم إلّا. قال ابن عباس والضحاك : قرابة. وقال يمان : رحما. وقال قتادة : الإلّ : الحلف. وقال السدي : هو العهد. وكذلك الذمّة إلّا أنه كرر لاختلاف اللفظين. وقال أبو مجلز ومجاهد : الإل هو الله عزوجل. وكان (٩) عبيد بن عمير يقرأ : «جبر إلّ» (١٠) بالتشديد ، يعني : عبد الله وفي الخبر أن ناسا قدموا على أبي بكر من قوم مسيلمة الكذاب ، فاستقرأهم أبو بكر كتاب مسيلمة فقرءوا ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : إن هذا الكلام لم يخرج من إلّ ، أي : من الله عزوجل. والدليل على هذا التأويل قراءة عكرمة : «لا يرقبون في المؤمن إيلا» بالياء ، يعني : الله عزوجل. مثل جبرائيل وميكائيل. (وَلا
__________________
(١) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المخطوط «ودينك».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المخطوط «خزاعة».
(٦) زيد في المخطوط «هم» قبل «بنو».
(٧) في المخطوط «فأمرنا».
(٨) في المخطوط «تقتلوهم».
(٩) في الأصل «قال» والتصويب عن «ط».
(١٠) في الأصل «جبير» والتصويب عن «ط» وتفسير الطبري.