قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) الآية ، قال الضحاك وأبو عبيدة : نجس قذر. وقيل : خبيث (١). وهو مصدر يستوي فيه الذكر والأنثى والتثنية والجمع ، فأما النجس بكسر النون وسكون (٢) الجيم فلا يقال على الانفراد ، وإنما يقال : رجس نجس ، فإذا أفرد قيل : نجس بفتح النون وكسر الجيم وأراد به نجاسة الحكم لا نجاسة العين ، سمّوا نجسا على الذمّ. وقال قتادة : سمّاهم نجسا لأنهم يجنبون فلا يغتسلون ويحدثون فلا يتوضّئون. قوله تعالى : (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) ، أراد منعهم من دخول الحرم لأنهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا من المسجد الحرام ، وأراد به الحرم وهذا كما قال تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الإسراء : ١] ، وأراد به الحرم لأنه أسرى به من بيت أم هانئ. قال الشيخ الإمام الأجلّ [رضي الله عنه] : وجملة بلاد الإسلام في حق الكفار على ثلاثة أقسام ، أحدها : الحرم فلا يجوز لكافر أن يدخله بحال ذميا كان أو مستأمنا لظاهر هذه الآية ، وإذا جاء رسول من بلاد (٣) الكفار إلى الإمام ، والإمام في الحرم لا يأذن له في دخول الحرم بل يبعث إليه من يسمع رسالته خارج الحرم. وجوّز أهل الكوفة للمعاهد دخول الحرم. والقسم الثاني من بلاد الإسلام : الحجاز فيجوز للكافر دخولها بالإذن ، ولكن لا يقيم فيها أكثر من مقام السفر وهو ثلاثة أيام.
[١٠٥٢] لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لئن عشت إن شاء الله تعالى لأخرجنّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلما».
[١٠٥٣] فمضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأوصى فقال : «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» ، فلم يتفرّغ لذلك أبو بكر رضي الله عنه ، وأجلاهم عمر رضي الله عنه في خلافته ، وأجل لمن يقدم منهم تاجرا ثلاثا.
وجزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول ، وأما العرض فمن جدّة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام. والقسم الثالث : سائر بلاد الإسلام يجوز للكافر أن يقيم فيها بذمّة أو أمان ، ولكن لا يدخلون المساجد إلّا بإذن مسلم.
قوله : (بَعْدَ عامِهِمْ هذا) ، يعني : العام الذي حجّ فيه أبو بكر رضي الله عنه بالنّاس ، ونادى عليّ كرّم الله وجهه ببراءة ، وهو سنة تسع من الهجرة. قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) ، وذلك أنّ أهل مكة كانت معايشهم من التجارات ، وكان المشركون يأتون مكة بالطعام ويتّجرون ، فلما منعوا من دخول الحرم خافوا الفقر ، وضيق العيش ، فذكروا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) فقرا وفاقة. يقال : عال يعيل عيلة إذا افتقر ، (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ
__________________
[١٠٥٢] ـ صحيح. أخرجه مسلم ١٧٦٧ وأبو داود ٣٠٣٠ والترمذي ١٦٠٦ و ١٦٠٧ وعبد الرزاق ٩٩٨٥ وابن أبي شيبة (١٢ / ٣٤٥) وأحمد (١ / ٢٩) و (٣ / ٣٤٥) والطحاوي في «المشكل» ٢٧٥٦ وابن حبان ٣٧٥٣ والحاكم (٩ / ٢٠٧) والبيهقي (٩ / ٢٠٧) من طرق عن أبي الزبير عن جابر عن عمر مرفوعا.
وأخرجه أبو عبيد في «الدلائل» ٢٧٠ و ٢٧١ والطحاوي ٢٧٦٣ من حديث جابر.
[١٠٥٣] ـ صحيح. أخرجه البخاري ٣٠٥٣ و ٣١٦٨ و ٤٤٣١ ومسلم ١٦٣٧ وأبو داود ١٦٣٧ والحميدي ٥٢٦ وابن أبي شيبة (١٤ / ٣٤٤) وعبد الرزاق ٩٩٩٢ و ١٩٣٧١ وابن سعد (٢ / ٢٤٢) وأحمد (١ / ٢٢٢) والطحاوي في «المشكل» ٢٧٦٦ والبيهقي (٩ / ٢٠٧) من طرق عن سفيان بن عيينة عن سليمان بن أبي مسلم الأحول عن ابن أبي نجيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بأتم منه.
__________________
(١) في المخطوط «خبث».
(٢) في المخطوط «جزم».
(٣) في المخطوط «دار».