سورة يونس
سورة يونس عليه الصّلاة والسّلام مكيّة إلا ثلاث آيات من قوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) [٩٤ ـ ٩٦] ، إلى آخرها.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (١))
(الر) و (المر) [الرعد : ١] ، قرأ أهل الحجاز والشام وحفص بفتح الراء وقرأ الآخرون بالإمالة ، قال ابن عباس والضحاك : (الر) أنا الله أرى ، و (المر) أنا الله أعلم وأرى. وقال سعيد بن جبير (الر) و (حم (١)) و (ن) حروف اسم الرحمن ، وقد سبق الكلام في حرف التهجي. (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) ، أي : هذا وأراد بالكتاب الحكيم القرآن. وقيل : أراد بها الآيات التي أنزلها من قبل ذلك (١) ، ولذلك قال : (تِلْكَ) ، وتلك إشارة إلى غائب مؤنّث والحكيم المحكم بالحلال والحرام والحدود والأحكام ، فعيل بمعنى مفعل بدليل قوله : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) [هود : ١] ، وقيل : هو بمعنى الحاكم ، فعيل بمعنى فاعل دليله قوله عزوجل : (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) [البقرة : ٢١٣] ، وقيل : هو بمعنى المحكوم ، فعيل بمعنى المفعول. قال الحسن : حكم فيه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وبالنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، وحكم فيه بالجنّة لمن أطاعه وبالنار لمن عصاه.
(أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (٢) إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٤))
قوله تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) ، العجب (٢) حالة تعتري الإنسان من رؤية شيء على خلاف العادة. وسبب نزول الآية أن الله عزوجل لما بعث محمدا صلىاللهعليهوسلم رسولا ، قال المشركون : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا. فقال تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ) ، يعني : أهل مكة ، والألف فيه للتوبيخ (عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) ، يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم ، (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) ، أي : أعلمهم مع التخويف ، (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، واختلفوا فيه ، قال ابن عباس : أجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم. قال الضحاك : ثواب صدق. وقال الحسن : عمل صالح أسلفوه يقدمون عليه. وروى علي بن أبي طلحة
__________________
(١) في المخطوط «من قبلك».
(٢) في المخطوط «التعجب».