حافظ ، يحفظني من أن تنالوني بسوء.
قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) ، عذابنا ، (نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) ، وكانوا أربعة آلاف. (بِرَحْمَةٍ) ، بنعمة (مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) ، وهو الريح التي أهلك بها عادا ، وقيل : العذاب الغليظ : عذاب يوم القيامة ، أي : كما نجّيناهم في الدنيا من العذاب كذلك نجّيناهم في الآخرة.
(وَتِلْكَ عادٌ) ، ردّه إلى القبيلة ، (جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ) ، يعني : هودا وحده ، وذكره بلفظ الجمع لأن من كذّب رسولا واحدا كان كمن كذّب جميع الرسل ، (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) ، أي : اتّبع السفلة والسقاط أهل التكبّر والعناد. والجبار : المتكبّر ، والعنيد : الذي لا يقبل الحق ، يقال : عند الرجل يعند عنودا إذا أبى أن يقبل الشيء وإن عرفه. وقال أبو عبيدة : العنيد والعاند والعنود والمعاند المعارض لك بالخلاف.
(وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠) وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣))
(وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) ، أي : أردفوا لعنة تلحقهم وتنصرف معهم ، واللعنة : هي الإبعاد والطرد عن الرحمة ، (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) ، أي : وفي يوم القيامة أيضا لعنوا كما لعنوا في الدنيا والآخرة ، (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) ، أي : بربّهم ، يقال : كفرته وكفرت به ، كما يقال : شكرته وشكرت له ونصحته ونصحت له. (أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) ، قيل : بعدا من رحمة الله. وقيل : هلاكا. والبعد له معنيان ، أحدهما ضد القرب ، يقال : بعد يبعد بعدا ، والآخر : بمعنى الهلاك ، يقال : منه بعد يبعد بعدا وبعدا.
قوله تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) ، أي : وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا في النسب لا في الدين ، (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) وحّدوا الله عزوجل ، (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ) ، ابتدأ خلقكم ، (مِنَ الْأَرْضِ) ، وذلك أنهم من آدم وآدم خلق من الأرض ، (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) ، أي : جعلكم عمّارها وسكّانها. قال الضحاك : أطال عمركم فيها حتى كان الواحد منهم يعيش [من] ثلاثمائة سنة إلى ألف سنة ، وكذلك قوم عاد. قال مجاهد : أعمركم من العمرى ، أي : جعلها لكم ما عشتم. وقال قتادة : أسكنكم فيها. (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ) ، من المؤمنين ، (مُجِيبٌ) لدعائهم.
(قالُوا) ، يعني ثمود : (يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا) ، القول ، أي : كنّا نرجو أن تكون سيّدا فينا. وقيل : كنا نرجو أن تعود إلى ديننا ، وذلك أنهم كانوا يرجون رجوعه إلى دين عشيرته ، فلما أظهر دعاءهم إلى الله عزوجل وترك الأصنام زعموا أن رجاءهم انقطع عنه ، فقالوا : (أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) ، من الآلهة ، (وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) ، موقع للريبة والتهمة ، يقال : أربته إرابة إذا فعلت به فعلا يوجب له الربية.
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً) ، نبوّة وحكمة ، (فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) ، أي : من يمنعني من عذاب الله ، (إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ) ، قال ابن عباس : ما