بالرءوس ولا البراقع بالوجوه فوجب أن يكون الغرض متعلقا بنفس المذكور دون غيره على جميع الوجوه.
ولو شاع سوى ذلك في الأرجل حتى تكون هي المذكورة والمراد من سواها لشاع نظيره في الوجوه والرءوس ولجاز أيضا أن يكون قوله سبحانه :
(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) المائدة : ٣٣ محمولا على غير الأبعاض المذكورة.
ولا خلاف في أن هذه الآية دالة بظاهرها على قطع الأيدي والأرجل بأعيانها وأنه لا يجوز أن ينصرف عن دليل التلاوة وظاهرها فكذلك آية الطهارة لأنها مثلها.
فإن قيل إن عطف الأرجل على الأيدي أولى من عطفها على الرءوس لأجل أن الأرجل محدودة كاليدين وعطف المحدود على المحدود أشبه بترتيب الكلام.
قلنا لو كان ذلك صحيحا لم يجز عطف الأيدي وهي محدودة على الوجوه وهي غير محدودة في وجود ذلك وصحة اتفاق الوجوه والأيدي في الحكم مع اختلافهما في التحديد دلالة على صحة عطف الأرجل على الرءوس واتفاقهما في الحكم وإن اختلفا في التحديد.
على أن هذا أشبه بترتيب الكلام مما ذكره الخصم لأن الله تعالى ذكر عضوا ممسوحا غير محدود وهو الرأس وعطفه عليه من الأرجل بممسوح محدود فتقابلت الجملتان من حيث عطف فيهما مغسول محدود على مغسول غير محدود وممسوح محدود على ممسوح غير محدود.
فأما من ذهب إلى التخيير وقال أنا مخير في أن أمسح الرجلين وأغسلهما لأن القراءتين تدل على الأمرين كليهما مثل الحسن البصري والجبائي ومحمد بن جرير الطبري ومن وافقهم (١) فيسقط قولهم بما قدمناه من أن القراءتين
_________________
(١) هذا الرأي تضمنه التساؤل السابق على الأخير.