شأن الفاعل أن يكون قادرا ولا يقدر على الموجود لأن وجوده يغني عن تعلق القدرة به فهذا يدل على استحالة مصاحبة الفاعل لفعله.
فأما تقدم الفعل على فاعله فأظهر فسادا لأن المؤثر في وجود الفعل وحدوثه كون فاعله قادرا فكيف يتقدم المؤثر فيه على المؤثر.
وأما تقدم الصانع القديم تعالى على صنعته فيجب أن يكون غير محصور الأوقات وإنما وجب ذلك فيه ولم يجب في الصانع المحدث لكونه قديما لأنه لو كان بين القديم والمحدث أوقات متناهية لخرج من أن يكون قديما ودخل في أن يكون محدثا لأن من شأن القديم أن لا يكون بوجوده ابتداء وتناهي ما بينه وبين الأوقات وبين المحدث يقتضي أن يكون بوجوده أول وابتداء.
فأما ما تضمنه السؤال من التقسيم والتعديل في إفساد تقدم الصنعة على الصانع على الاتفاق على ذلك فغير صحيح لأن مثل هذا لا يعول فيه على الاتفاق بل لا بد أن يعين طريق العلم إما من ضرورة أو استدلال وقد بينا ما يدل على أن الصنعة لا تتقدم الصانع.
فأما ما مضى من السؤال من إلزام نفي التناهي والآخر عن المدة التي تكون بين الصانع والصنعة كما نفى عنها الابتداء والتناهي من قبل أولها فغير صحيح ولا لازم لأنا قد بينا أنا متى جعلنا بين الصانع القديم وصنعته مدة متناهية الابتداء محصورة لحق القديم بالمحدث وخرج من أن يكون قديما.
وإذا جعلناها (١) محصورة الانتهاء لم يجب ذلك فيها ولا أدى إلى ما قد علمنا فساده من كون القديم محدثا ولا إلى غيره من ضروب الفساد فلم يلزم نفي الآخر عن المدة قياسا على نفي الأول.
وقد بين شيوخ أهل العدل (٢) في كتبهم الفرق بين هذين الأمرين وقالوا
_________________
(١) الظاهر سقوط كلمة (غير) هنا ، إذ لا يتم المعنى بدونها فتكون الجملة هكذا : وإذا جعلناها غير محصورة الانتهاء لم يجب ذلك فيها.
(٢) المراد بأهل العدل هم المعتزلة والإماميّة الذين يقولون باستحالة صدور الظلم والمنافي منه سبحانه ، إما لعدم قدرته عليه كما يقوله المعتزلة أو أكثرهم ، وإمّا لقبح صدوره عنه عقلا مع قدرته عليه كما يقوله الإماميّة.