والوجه الثاني من التأويل أن يكون تعالى أراد المبالغة في وصف القوم الذين أهلكهم بصغر القدر وسقوط المنزلة لأن العرب إذا أخبرت عن عظم المصاب بالهالك قال كسفت لفقده الشمس وأظلم القمر وبكاه الليل والنهار والسماء والأرض.
يريدون بذلك المبالغة وعظم الأمر وشمول المصيبة قال جرير (١) يرثى عمر بن عبد العزيز :
الشمس طالعة ليست بكاسفة |
|
تبكي عليك نجوم الليل والقمرا |
وفي انتصاب النجوم والقمر في هذا البيت ثلاثة وجوه :
أحدها أنه أراد أن الشمس طالعة وليست مع طلوعها كاسفة نجوم الليل والقمر لأن عظم الرزية قد سلبها ضوءها فلم يناف طلوعها ظهور الكواكب.
الوجه الثاني أن يكون انتصابها على معنى قوله لا أكلمك الأبد وطول المسند (١) وما جرى مجرى ذلك فكأنه أخبر بأن الشمس تبكيه ما طلعت النجوم وما ظهر القمر.
والوجه الثالث أن يكون نجوم الليل والقمر باكيين الشمس على هذا المفقود فبكهن أي غلبتهن بالبكاء كما يقال باكاني عند الله فبكيته وكاثرني فكثرته أي فضلت عليه وغلبته.
والوجه الثالث من التأويل أن يكون الله تعالى أراد بقوله (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) أهل السماء وأهل الأرض وحذف أهل كما قال عزوجل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) وكما قال (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) وإنما أراد أصحابها ويجري ذلك مجرى قولهم السخاء سخاء حاتم.
قال الشاعر :
__________________
(١) هو جرير بن عطية الخطفي ينتهي نسبه إلى نزار مات باليمامة عن نيف وثمانين سنة ، سنة ١٢١ ه وهو من أشهر الشعراء الإسلاميين وأرقهم ديباجة ، هاجى شعراء عصره وبخاصّة الفرزدق ، وكان أبو عمرو يشبه جريرا بالأعشى ، والفرزدق بزهير ، والأخطل بالنابغة.
(٢) المسند : الزمان.