وإذا سبق التخصيص اللفظ العام أو ورد مقارنا له فلا يجوز القول بأنه ناسخ لحكمه لأن العموم لم يثبت فيستقر له حكم وإنما خرج إلى الوجود مخصوصا فأوجبه في حكم الخصوص.
والنسخ إنما هو رفع موجود لو ترك لأوجب حكما في المستقبل.
والذي يخص اللفظ العام لا يخرج منه شيئا دخل تحته وإنما يدل الدليل على أن التجوز لم يرد من معنى ما بني له الاسم وإنما أراد غيره وقصد إلى وضعه على ما بني له في الأصل.
وليس يخص العموم إلا دليل العقل والقرآن والسنة الثابتة.
فأما القياس والرأي فإنهما عندنا في الشريعة ساقطان لا يثمران علما ولا يخصان عاما ولا يعمان خاصا ولا يدلان على حقيقة.
ولا يجوز تخصيص العام بخبر الواحد لأنه لا يوجب علما ولا عملا وإنما يخصه من الأخبار ما قطع العذر لصحته عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أحد الأئمة ع.
وليس يصح في النظر دعوى العموم بذكر الفعل وإنما يصح ذلك في الكلام المبني والصور منه المخصوصة فمن تعلق بعموم الفعل فقد خالف العقول وذلك أنه إذا روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم لم يجب الحكم بذلك على أنه أحرم بكل نوع من أنواع الحج من إفراد وقران وتمتع وإنما يصح الإحرام بنوع منها واحد.
وإذا ثبت عنه عليهم السلام أنه قال لا ينكح المحرم وجب عموم حظر النكاح على جميع المحرمين مع اختلافهم فيما أحرموا به من إفراد وقران وتمتع أو عمرة منقولة.
وفحوى الخطاب هو ما فهم منه المعنى وإن لم يكن نصا صريحا فيه بمعقول عادة أهل اللسان في ذلك كقوله عزوجل
(فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما) الإسراء : ٢٣.
فقد فهم من هذه الجملة ما تضمنته نصا صريحا وما دل عليه بعرف أهل