وفيها للخلق مصالح لا يعلمها إلا الله تعالى.
فأما التأثير المنسوب إليها فإنا لا ندفع كون الشمس والقمر مؤثرين في العالم ونحن نعلم أن الأجسام وإن كان لا يؤثر أحدها بالآخر إلا مع مماسة بينهما بأنفسهما أو بواسطة فإن للشمس والقمر شعاعا متصلا بالأرض وما عليها يقوم مقام المماسة وتصح به التأثيرات الحادثة.
ومن ذا الذي ينكر تأثير الشمس والقمر وهو شاهد وإن كان تأثير الشمس أظهر للحس وأبين من تأثير القمر في الأزمان والبلدان والنبات والحيوان.
وأما غيرهما من الكواكب فلسنا نجد لها تأثيرا يحس ولا نقطع وجوبه بالعقل وهو أيضا ليس من الممتنع المستحيل بل هو من الجائز في العقول لأن لها شعاعا متصلا في الأرض وإن كان من دون شعاع الشمس والقمر فغير منكر أن يكون لها تأثير خفي على الحس خارج عن أفعال الخلق فإن كان لها تأثير كما يقال فتأثيرها مع تأثير الشمس والقمر في الحقيقة من أفعال الله تعالى وليس يصح إضافته إليها إلا على وجه التوسع والتجوز كما نقول أحرقت النار وبرد الثلج وقطع السيف وشج الحجر وكذلك قولنا أحمت الشمس الأرض ونفعت الزرع وفي الحقيقة أن الله أحمى لها ونفع.
ومما يدل على أن الله تعالى يشغل شيئا بشيء قوله سبحانه :
(هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
وليس فيما ذكرناه رجوع إلى قول أصحاب الأحكام ولا قول بما أنكرناه عليهم في متقدم الكلام لأنا أنكرنا عليهم إضافة تأثيرات الشمس والقمر إليهما من دون الله سبحانه وقطعهم على ما جوزناه من تأثيرات الكواكب بغير حجة عقلية ولا سمعية وإضافتهم إليها جميع الأفعال في الحقيقة مع دعواهم لها الحياة والقدرة.