يَتَذَكَّرُونَ) [سورة ابراهيم ، الآية : ٢٥] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة والوجه في ذلك معلوم لأن ذكر المثل يجلي المعاني المعقولة الخفية ويؤثر في النفوس المأنوسة بالمحسوسات ، والنّاس إلى ما ارتكز في غرائزهم أميل وإلى ما يكون دائرا في ما بينهم أرغب وعن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله): «إنّا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم» وعلى هذا ضرب الله تعالى مثلا للمنافقين أولا بمن استوقد نارا.
وثانيا : بمثل آخر لحال المنافقين فشبه تعالى الإسلام بالمطر لأنه يحيي الأرض بعد موتها والإسلام يحيي القلوب ، وجعل تعالى شبهات المنافقين وأباطيلهم كالظلمات ، وشبه ما في الدين من الوعد والوعيد بالرعد والبرق وما يصيبهم من أهل الإسلام بالصواعق ، وهم في غلو واضطراب وخوف من النّاس : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [سورة المنافقون ، الآية : ٤] ، فهذا المثل يشرح حال المنافقين ويبين سوء أعمالهم وفساد أسرارهم فقد أتتهم الحكمة من السماء وفتح الله عليهم أبواب علومه فاعترضوا ذلك بالشبه والآراء الفاسدة (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) [سورة الجاثية ، الآية : ١٧] فحصل بعد هذا العلم الإلهي ظلمات وحيرة في أنفسهم باتباع الشهوات فصاروا في حيرة من أمرهم مترددين هالكين.
التفسير
قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ). المراد باستيقاد النّار هو إيقادها للاهتداء بنورها أو الاستضاءة به كما كان يفعل ذلك في قديم الزمان.
قوله تعالى : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ). المراد به الأعم من النور الظاهري الذي كان من إيقاد النار ، والنور المعنوي الذي هو الإسلام كما قال تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) [سورة الزمر ، الآية : ٢٢] فإنّ المنافق لتماديه في الغي والضلالة ومزاولته للأعمال الشريرة حصلت له طبيعة ثانية أوجبت إطفاء نور الفطرة والاعراض عن الإيمان