وأشرنا إلى الثاني في ما سبق وسيأتي القول في الثالث إن شاء الله تعالى.
بحث روائي :
عن الرضا (عليهالسلام) في قوله تعالى : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) فقال : إنّ الله لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه ، ولكنه متى علم أنّهم لا يرجعون عن الكفر والضلالة فمنعهم المعاونة واللطف وخلّى بينهم وبين اختيارهم.
أقول : لا بد وأن يرجع الترك ـ المنفي عن الله سبحانه وتعالى المستلزم لعدم القدرة الذي هو المحال بالنسبة إليه تعالى لفرض عموم قدرته ـ الى فعله سبحانه وتعالى كما ارجعه (عليهالسلام) الى ذلك وهو التخلية بينهم وبين فعلهم والإمهال لهم في أعمالهم وعدم تعجيل العقاب عليهم ، فيكون كالصبر المنسوب إليه تعالى فإنّه أيضا يرجع إلى عدم تعجيل العقاب لا الصبر الاصطلاحي عندنا.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢))
بعد أن ذكر سبحانه في ما تقدم أصناف خلقه وهم المؤمنون المهتدون الفائزون ، والكافرون الذين اختاروا الكفر فطبع بذلك على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، والمنافقون الذين هم الأخسرون اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا. فكما أن الدنيا مجمعهم بالوجود الجمعي والتدريجي في سلسلة الزمان كذلك الآخرة مجمعهم بالوجود الجمعي في الزمان والمكان. دعا سبحانه وتعالى في هذه الآيات النّاس إلى التوحيد والعبادة حتّى تستعد نفوسهم إلى التقوى. ثم عدد جلائل نعمه في السماء والأرض ليرغّبهم إلى التفكر ونبذ الأنداد فلا يستعينوا بغيره عزّ