وجل ، كل ذلك في عبارات يتدفق منها الحنان والعطوفة ، وقد أظهر اهتمامه بهم بقوله تعالى : (خَلَقَكُمْ) ثم ذكر خلق السابقين ليعرف أن الجميع خلقه وهو الخالق والمستحق للعبادة دون غيره وإنما كان الخلق السابق كالمقدمة لخلق المسلمين ثم بين الغاية القصوى للخلق وهي التقوى ثم عدد بعض النّعم النوعية التي تكون من خصائص الربوبية.
التفسير
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ). تقدم في سورة الفاتحة معنى العبادة والرب ، وفي هذه الآية أمر سبحانه النّاس بالعبادة وهي الغاية لخلق الإنس والجن كما قال سبحانه وتعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [سورة الذاريات ، الآية : ٥٦] وقد ورد عن الأئمة الهداة (عليهمالسلام): «خلقهم ليأمرهم بالعبادة» ولم يبعث الله الرسل إلّا لدعوة أقوامهم إلى العبادة قال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [سورة النحل ، الآية : ٣٦].
وإنما اختار من أسمائه المقدسة لفظ (الرب) لاشتمال الربوبية المطلقة على جميع الكمالات الإلهية ، وفيه إشعار بالحنان والرأفة بخلقه. وإنما أمر بالعبادة لأنها تقتضي الإعتقاد بالتوحيد الذاتي أيضا.
قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). ذكر تعالى خلق الذين من قبلهم لأنهم كانوا يفتخرون بآبائهم بل بعضهم يعبدونهم فقال تعالى : إنهم مخلوقون له كما أنتم مخلوقون له فنفى تعالى جهة الشرك بهذه الكلمة كما بين غاية العبادة وهي التقوى.
قوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً). الفراش والبساط والمهاد لها جامع واحد وهو سهولة الأرض للانتفاع بها بكل معنى يتصور الانتفاع وإنما تفترق هذه الألفاظ بخصوصيات خاصة تأتي الإشارة إليها في محالها. والتعبير بالفراش كما في هذه الآية الشريفة ، والمهاد. كما في قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) [سورة النبأ ، الآية : ٦] ، والبساط