له أن يتحدى في ذلك من في عرض النّاس فلا موضوع للتحدي الذي أطيل القول فيه من المتكلمين وتبعهم جمع من المفسرين.
مردود أولا : بأنّ أصل التحدي إنّما هو لإتمام الحجة على الأمة لئلا يكون للناس على الله حجة ، وكل ما تحققت هذه الجهة يصح التحدي ومع عدمه فلا موضوع له. وثانيا : بأنه لطف وعناية منه جل شأنه مع الخلق ومما شاة معهم وإظهار لضعفهم مما يتوهمون لذلك.
قوله تعالى : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). الدعاء : النداء والاستعانة. والشهداء : جمع شهيد وهو من يعتد بحضوره ممن له اعتبار في القول أو الحل والعقد ، وبعبارة أخرى أهل الخبرة بالشيء. وما دون الله أي ما سوى الله. والمراد أنه إذا كنتم صادقين في دعواكم فأتوا بسورة من هذا القرآن ولو كان بمعونة ما سوى الله فإذا عجزوا عن ذلك يكون ذلك حجة قاطعة على ثبوت أصل الدعوى وهي كون القرآن معجزة إلهية أنزله لإتمام الحجة عليهم.
قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا). بيان لثبوت عجزهم وعدم استطاعتهم لما يدعونه ، والجملة الأولى إشارة لإيكال الموضوع الى اختيارهم ، والثانية اخبار واقعي عن الواقع المحقق في علم الله وما هو المتحقق في نظام الطبيعة من عدم ارتباط المحدود المقيد بها بمن هو قاهر عليها إلّا بإرادته تعالى فالنفي الأبدي إنما هو لأجل أن المدعو به يستلزم الخلف وهو محال ذاتي.
قوله تعالى : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ). الوقود (بفتح الواو) ما توقد به النار. والنّاس هم الكافرون والعصاة. والحجارة هي حجر الكبريت أو سائر المعادن الحجرية التي تستعمل للوقود بل يمكن أن يراد بها نفس النّاس الكفرة بعضهم بالنسبة إلى بعضهم وهو ما يقتضيه قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٩٨] فيصير الموقود والوقود شيئا واحدا فكل من ازداد طغيانه وتبعه قوم يكون حجارة بالنسبة إلى تابعيه مع وجود الحياة في المتبوع أيضا.