ثم إنه في المقام بحثان :
الأول : إنّ التكليف بالشيء يدور مدار القدرة عقلا وشرعا فلا يصح التكليف بغير المقدور كذلك وفي هذه الآية المباركة أخبر سبحانه بقوله تعالى : (وَلَنْ تَفْعَلُوا) أنه من التكليف بغير المقدور الذي هو باطل. والجواب عن ذلك بأن التكليف إن كان للامتحان ـ كما عرفت ـ أو إتماما للحجة عليهم وأخذا بإنكارهم للنبوة والمعجزة يصح ولو مع العلم بعدم إمكان الامتثال.
الثاني : إنّ العقاب مترتب على مخالفة الله عزوجل وفي المقام لم تتحقق منهم مخالفة حتّى يتعلق بهم العقاب. والجواب يظهر من الجواب السابق فإذا تمت الحجة عليهم بالنبوة وإعجاز القرآن لا بد لهم من التصديق والاعتقاد بهما وحينئذ الريب والشك الحاصل باختيارهم مخالفة توجب استحقاق العقاب.
قوله تعالى : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ). ذكر الله تعالى إعداد النّار أو العذاب للكافرين في جملة من الآيات وإعداد الجنة للمتقين كذلك قال سبحانه : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٣١] كما قال جل شأنه : (سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٣٣] إلى غير ذلك من الآيات ، فيستفاد من الآية أمور :
الأول : أن أصل خلق النّار كان لأجل الكافرين فإذا أطلق في القرآن أنّ النار للفاسقين أو المجرمين لا بد من حملهم على الكافرين بقرينة (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) أو أن نارهم غير ما أعدت للكافرين بحسب المرتبة والدرجة.
الثاني : إنها أعدت فيستفاد من لفظ الإعداد سبق الوجود إذ لا يطلق هذا اللفظ على المقارنة الوجودية أو التأخير الوجودي إلّا بالعناية.
الثالث : سنخ هذه الآيات نحو بشارة للمؤمنين بأن النّار لم تعد لهم ـ كما يدل عليها بعض الأخبار على ما يأتي ـ وان دخلوها لبعض معاصيهم