إعجاز القرآن في المعارف الإلهية :
يشتمل القرآن على كثير من العقائد الدينية والعلوم الإلهية والمعارف الربوبية فهو السابق في جميع هذه العلوم وقد شهد بذلك جميع الأئمة الهداة الذين هم أحد الثقلين وجميع علماء المسلمين بل وغيرهم فقد تحدى الناس في التوحيد الفعلي قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [سورة فصلت ، الآية : ٥٣] ، وقال تعالى : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة إبراهيم ، الآية : ١٠] ، وقال جل شأنه : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [سورة الحشر ، الآية : ٥٩] ، وقال تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [سورة الزمر ، الآية : ٦٢] إلى غير ذلك من الآيات المباركة التي يستدل بها من المجعول لإثبات الجاعل ، وليس في البراهين التي أقامها الفلاسفة أظهر وأبين وأتم من هذا البرهان المسمى عندهم ب (البرهان اللمّي) أي العلم من المعلول بالعلة فهو معجزة في إثبات التوحيد الفعلي.
كما أنه معجزة في التوحيد الذاتي الذي هو من أهم مقاصد الفلاسفة وقد كتبوا في ذلك كتبا ، وصنفوا رسائل ولم يأتوا في ذلك شيئا جديدا وما ذكروه إنما أخذوه من القرآن الكريم ، قال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [سورة الأنبياء ، الآية : ٢٢] ، وقال تعالى : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) [سورة الحج ، الآية : ٢١] إلى غير ذلك من الآيات المباركة.
وأما توحيد صفاته فقد تعرض الفلاسفة والعرفاء له أيضا وجميعهم اقتبسوا من نور هذا الكتاب العظيم قال تعالى : (قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [سورة يوسف ، الآية : ٣٠] بناء على ما ثبت في محله من أن الذات ذات جامع لجميع صفات الكمال فنفي الهوية عما سواه إثبات لحصر جميع صفات الكمال بالنسبة إليه ، وسيأتي البحث عنه في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.