وإدراكهم الناقص وليس من النقض الواقعي على القرآن ، كما هو واضح ، فإذا راجعنا ما ذكروه نرى أنّ ما يتخيلونه نقضا إما أن يكون بين عام وخاص ، أو مطلق ومقيد ، أو بين أمرين مختلفين زمانا أو مكانا وغير ذلك مما لا يعد من التناقض والاختلاف. هذا بعض ما يتعلق بالتحدي ولو أردنا بيان التمام لطال الكلام ، ويأتي جملة ما يتعلق به في الآيات المباركة المناسبة لها.
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥))
من سنته تعالى أنه في كتابه الكريم يقرن بين الترهيب والترغيب فكلما يذكر شيئا من مظاهر غضبه يعقبه بشيء من موجبات رحمته ، إتماما للحجة ولئلا ييأس من رحمته أحد وكلما يذكر شيئا من جهات رحمته قفاه بشيء من موجبات غضبه لئلا يتكل على عمله أحد ، ولذا بعد أن ذكر الكفار والمنافقين ، وما أعد لهم من العقاب أردفه ببشارة المؤمنين وما وعد لهم من النعيم.
التفسير
قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ). البشارة هي الإخبار بما يوجب ظهور آثار السرور في بشرة المخبر وقد تستعمل في الإخبار بالشر أيضا توبيخا وتعييرا كما في قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [سورة آل عمران ، الآية : ٢١]. وتقدم معنى الإيمان في أول هذه السورة.
والعمل الصالح من الواضحات عند الناس مفهوما ومصداقا وهو كل ما يحبه الله ويرتضيه ، وقد ذكر سبحانه جملة من مصاديقه في قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ