أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٧٧] ونحو ذلك من الآيات المباركة.
قوله تعالى : (أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ). مادة (ج ن ن) تأتي بمعنى الستر. والجنات جمع جنّة وهي البستان الملتف بالأشجار التي فيها أنواع الفواكه والثمار المستترة بالأشجار والمراد بها في القرآن الكريم نعيم الآخرة من باب إطلاق الخاص على العام إما لكماله من جميع الجهات ، أو لعدم الاعتناء بالفاني مع التوجه إلى الباقي.
وما عن بعض اللغويين من أنّ البستان إذا كان فيه الكرم يسمى بالفردوس وإن كان فيه النخيل يسمى جنة. فإن أراد أنه مجرد اصطلاح طائفة خاصة في عصر مخصوص فلا بأس به. وإن أراد التخصيص في أصل المعنى والذات فلا دليل عليه ، مع أنه ورد في القرآن الكريم ما يخالفه قال تعالى : (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ) [سورة الأنعام ، الآية : ٩٩] وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) [سورة الكهف ، الآية : ١٠٧] والسياق في الجميع واحد.
ثم إنه ورد لفظ الجنّة والجنّات كثيرا في القرآن الكريم بأنحاء الاستعمالات المشعرة باعتنائه تعالى بها اعتناء بليغا ، ولا بد أن يكون كذلك ، لأنّها نعيم أبدي لا يزول وأنّها دار الأبرار والمتقين وهي عوض ما اشتراه الله تعالى من المؤمنين فقال تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [سورة التوبة ، الآية : ١١١] وكلما كان المعوض أعلى وأغلى يكون للعوض المكانة العليا.
قوله تعالى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ). تستعمل هذه الجملة في القرآن الكريم مع لفظ الجنات غالبا وتشتمل جميع الأقسام التي يمكن تصويرها في جريان الماء ونبوعه تحت أظلال الأشجار المطابق للأذواق الحسنة المتعارفة بين الناس التي يمتدحونها ويهتمون بها في تزيين جناتهم الدنيوية. وقد نظم ذلك الشعراء بوجوه من النظم في مدح تلك الجنان ، ولم يبين سبحانه خصوصيات الجريان تعميما لجميع مراتب الحسن والكمال.