قوله تعالى : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً). يحتمل أن يجعل الظرف الأخير في الآخرة : أي ، كلما انتفعوا من ثمارها قالوا هذا ما رزقنا قبل ذلك من ثمار الآخرة فإنها تكون بحيث كلما يقتطف منها ثمرة يعود مكانها مثلها.
ويحتمل أن يجعل الظرف في الدنيا فإنّ ثمار الدارين متحدتان اسما وجنسا ونوعا ، ولكنهما مختلفتان في اللطافة والذوق والالتذاذ ونحوها. ويحتمل أن يراد من الرزق الثاني هو نفس الأعمال الصالحة التي هي بمنزلة البذور لثمار الجنة فيكون المراد إن ثمار الجنة لنا من جزاء أعمالنا ، ومنه يظهر وجه قوله تعالى : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) لوجود التشابه بين ما ينتفعون به فعلا وبين جميع الاحتمالات التي تعرضنا لها في الجملة ، فالمراد بالتشابه المعنى الأعم الشامل ، ويشهد للتشابه في الجملة قول الصادق (عليهالسلام): «كل ما في الدنيا فسماعه أعظم من عيانه وكل ما في الآخرة فعيانه أعظم من سماعه» حيث أثبت (عليهالسلام) الاتحاد من جهة والاختلاف من أخرى ، ويدل عليه أيضا قوله تعالى : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) [سورة الزخرف ، الآية : ٧١] ، فإن من المشتهيات ما اشتهوه في الدنيا وتلذذوا به ، وكذا ظاهر كثير من الآيات التي تعد نعم الجنّة بالأسماء المستعملة المأنوسة.
وأما ما عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله): «إنّ الله قال : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا اذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر»
وغيره مما في سياق ذلك. فلا ينفي ما ذكر في سائر الآيات والروايات ، لأنها نعم أخرى إما جسمانية ليس في الدنيا لها اسم ولا رسم ، أو من النعم المعنوية التي لا موضوع لها في الدنيا.
قوله تعالى : (وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ). الأزواج جمع زوج بمعنى القرين ، ويطلق على كل واحد من الذكر والأنثى ، وقد يطلق على الأخيرة الزوجة. والمعنى أن لهم أزواجا مطهرات غاية التطهير ، لأن حذف المتعلق يفيد العموم فهنّ مطهرات من جميع الأقذار الخلقية ـ كالحيض