والموعظة فلا يمكن أن يكون صغيرا أو حقيرا وإن كان الممثل به كذلك في بعض الجهات.
قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً). لأنّهم نظروا إلى نفس الممثل به ولا يلتفتون إلى عظمة الممثل [بالكسر] ولا إلى أهمية ما مثّل لأجله ، لجهلهم وعنادهم فأعرضوا عن الحجة كما هو الحال في اختيارهم أصل الكفر والضلال.
قوله تعالى : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً). يصح أن تكون هذه الجملة مقولة من الكفار تعييرا وتوبيخا للمثال ، كما يصح أن يكون من قول الله عزوجل أجاب به عن سؤالهم ، وعلى أي تقدير فالسبب في هذا القول هم الكفار ، لأنهم بإنكارهم للإيمان وجهلهم للحقائق حصل لهم الريب بكل ما أنزل الله تعالى.
قوله تعالى : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ). الفسق بمعنى الخروج ، وتختلف مشتقاته باختلاف موارد استعمالاته ، وفسق الإنسان خروجه عن طاعة الله تعالى اعتقادا ، أو عملا ؛ لكبيرة أو صغيرة فهو يشمل الجميع بجامع الخروج عن الطاعة.
وعن بعض اللغويين أنه لم يستعمل الفاسق وصفا في كلام العرب إلّا في القرآن الكريم. وفيه بحث ، هذا بحسب اللغة. وأما في اصطلاح الكتاب والسنة فيستعمل الفاسق في مقابل العادل.
والمعنى : أنّ علة إضلالهم هي الخروج عن طاعة الله تعالى ؛ وصولا من مرتبة الاقتضاء الى مرتبة الفعلية بما يعرض على الإنسان فيظهر منه الغي والضلال أو الحق والسداد ، ومنه يظهر الوجه في التعبير بقوله تعالى : (يُضِلُ) ليبين أن ذلك أمر مركوز فيهم ، وراسخ في نفوسهم. ثم إنّ هذه الآية تشتمل على أمور :
الأول : إنما قدم سبحانه الضلالة على الهداية مع تقدم الثانية على الأولى بكل جهات التقدم ، لأن سببها متقدم ، وهو اقتضاء ذاتهم ، وكل من تقتضي ذاته شيئا يبادر به بين الأنام ، ويظهر أثره في الكلام فجيء بالأمثال