لإخراجهم من ظلمات الضلال الى نور الهداية والإيمان.
الثاني : قد ذكر سبحانه لفظ الكثرة في الفريقين ، مشعرا بأنّ المهتدين كالضالين في الكثرة ، مع أنّ الطائفة الأولى هم الأقلون عددا. والوجه في ذلك أن القلة والكثرة إضافية فتصح الكثرة بالنسبة إلى ملاحظة شيء ، والقلة بالنسبة إلى شيء آخر ، فالمهتدون وإن قلوا عددا لكنهم أكثر نفعا وأجل فائدة.
الثالث : أثبتت الآية المباركة أنّ وراء الضلالة والهداية الاقتضائية في الذات هداية وضلالة تحدثان بحدوث ما يطرأ من الأسباب وتتجددان بذلك ، ولذا قالوا : إنّ الضلال والهداية يتجددان بتجدد الأسباب والزمان.
بحث كلامي :
هذه الآية الشريفة مفتتح آيات الكتاب العزيز في الجبر والتفويض فلا بد من البحث فيهما ليمكن إرجاع سائر المواطن اليه. فنقول ومن الله الاستعانة والاستمداد :
إنّ شبهة الجبر والتفويض لم تكن حادثة في الإسلام وإنّما هي قديمة بقدم الإنسان وترجع الى أوائل الخلقة ، كما يظهر من مخاصمة إبليس مع الله تعالى ، فكل من يعتقد بمبدإ غيبي مؤثر في العالم يمكن أن تتولد فيه هذه الشبهة ، وقد قال علي (عليهالسلام): «عرفت الله بفسخ العزائم ونقض الهمم» وفسخ العزيمة إنّما وقع من عهد أبينا آدم (عليهالسلام) فأصل الشبهة من ذلك الحين وإنما تطورت بمرور الزمن فدخلت آراء وشبهات أخرى وبلغت حدا بعيدا من البحث حتّى أفردت لها كتب ورسائل.
وكيف كان فالأفعال الاختيارية الصادرة من الإنسان يحتمل فيها وجوه :
الأول : أنّها صادرة بإرادة الله تعالى واختياره فقط وان العبد بمنزلة الآلة الجمادية وأن الإنسان وفعله مخلوقان لله تعالى وهذا هو الجبر.
الثاني : أنّها صادرة من العبد وباختياره فقط ، ولا دخل فيها لله تبارك وتعالى ، وهذا هو التفويض.
الثالث : الأمر بين الأمرين والمنزلة بين المنزلتين فيكون لكل واحد