منهما دخل بنحو الاقتضاء لا العلية التامة ، وهذا هو الحق الذي أسسه الأئمة الهداة (عليهمالسلام) ردا على المذهبين السابقين ، فإنّ الأول منهما خلاف الأدلة العقلية والنقلية بل الوجدان ، والثاني يلزم منه التعطيل ، كما ستعرف ذلك فيما سيأتي من التفصيل ، والبحث تارة يقع في الجبر والتفويض ، وأخرى في الأمر بين الأمرين :
الجبر :
مذاهب الجبر ثلاثة : منها : مذهب الأشاعرة ، وهو نفي الإرادة عن العبد مطلقا وانحصارها في الله تعالى ، وأن العبد بالنسبة إليه كالقلم في يد الكاتب فيكون نسبة الفعل إلى الله بالحقيقة والى العبد بالمجاز.
ومنها : ما ذهب اليه جمع من القول بوحدة الوجود ، بل الوحدة المطلقة فلا اثنينية بين الخالق والعبد حتّى تكون فيه الإرادة والإختيار ، وسيأتي بطلان القول بوحدة الوجود ، بل الوحدة المطلقة ، بل الالتزام بلوازمه يوجب الكفر.
ومنها : ما ذهب اليه بعض : من أن علم الله تعالى علة تامة لحصول معلوماته ، وفعل العبد معلوم له تعالى فلا أثر لاختيار العبد وارادته في فعله أصلا.
وقد استدل القائلون بأنّ الأفعال مخلوقة لله تعالى بالأدلة العقلية والنقلية ، أما الأدلة العقلية فاستدلوا بأمور :
الأول : أن فعل العبد مقدور لله تعالى ، لأنه من جملة الممكنات التي هي منه تعالى ، وحينئذ لو وقع بقدرة العبد وحده لزم تعطيل قدرته تعالى ، وإن وقع بقدرتهما معا لزم اجتماع قدرتين مؤثرتين على مقدور واحد.
والجواب : أن ليس كل مقدور له تعالى هو من فعله المباشري فمجرد كون فعل العبد مقدورا له تعالى لا يستلزم أن يكون من فعله أيضا.
الثاني : إن جميع ما سواه مورد إرادته تعالى الأزلية الأبدية وان إرادته عين ذاته وهي العلة التامة لتحقق المعلول فلا أثر لإرادة العبد في فعله.
والجواب : أن ذلك مبني على جعل الإرادة من صفات الذات ، لكن