بعد بيان طريق الحق والباطل ، وإتمام الحجة عليهم ولكنه لم يفعل لمصالح كثيرة ، بل جعل إرادته مسيطرة على إرادة عباده لا على نحو يلزم منه الجبر ، وهذا هو ما يظهر من بيان الأمر بين الأمرين ، كما سيأتي.
الأمر بين الأمرين :
مما تفردت به الإمامية عن سائر الفرق القول بالأمر بين الأمرين والمنزلة بين المنزلتين فقد ورد عن الأئمة الهداة (سلام الله عليهم) أنه «لا جبر ولا تفويض ، بل أمر بين أمرين» وهو الحق المطابق للوجدان والبرهان.
والمراد ب (الأمر بين الأمرين) أن الله تبارك وتعالى أودع القدرة في عباده وبها بعد وجود الدواعي يصدر الفعل من الفاعل وينسب الفعل إليه مباشرة ، فهو غير مجبور ، لتعلق قدرته بطرفي الفعل معا. هذا هو المعنى المستفاد من الأخبار الواردة في (الأمر بين الأمرين) ، ولا بد من توضيح ذلك بشيء من التفصيل.
بيان ذلك : إنّ أفعال العباد منحصرة في ثلاثة أقسام : فهي إما من الحسنات ، أو من السيئات ، أو من المباحات. ولا ريب في أن الأمر بين الأمرين متقوم بالانتساب اليه تعالى ، والى العباد انتسابا يحكم بصحته العقلاء ، ومن رضائه تعالى بالحسنات وترغيبه إليها والتأكيد في إتيانها والثواب عليها أو العقاب على الترك في بعضها يصح الانتساب إليه تعالى ، ويسمى ذلك بالانتساب الاقتضائي لا يبلغ حد الإلجاء والاضطرار. ومن إذنه تعالى في المباحات وترخيصه لها صح انتسابه اليه تعالى اقتضاء كما هو الحال في الحسنات ، فتحقق بالنسبة إلى الحسنات والمباحات رضاؤه وقضاؤه تعالى إليها.
ومن خلقه تعالى للنفس الأمارة والشيطان صح نسبة السيئات اليه تعالى ، لا بمعنى رضائه بها وترغيبه إليها فيصح نسبة الخلق التسبيبي إليه تعالى في السيئات ، ويجري هذا الوجه في الحسنات والمباحات فإن هذه النسبة توجد في الجميع.