وأما نسبة الفعل إلى الفاعل فإنّ الله تعالى خلق الذات المختارة القادرة على السيئات مثلا مع نهيه تعالى وإظهار سخطه وتوعيده عليها وقد فعلها العبد بسوء اختياره ، فينسب إليه الفعل مباشرة كما أن منشأ النسبة إليه تعالى أنه خلق الذات القادرة المختارة مع إبلاغ النهي والتوعيد ، وقد علم بها وقضاها على نحو الاقتضاء لا قضاء الحتم ولا منقصة في هذا القسم من النسبة أبدا ، ولعل هذا أحد معاني قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) [سورة النساء ، الآية : ٧٨].
وبعبارة أخرى : إنّ في الحسنات والمباحات تتعدد جهة الانتساب اليه تعالى من الرضاء والقضاء ، والاذن والترغيب ، أو خلق الذات القادرة المختارة ، وفي السيئات منحصرة بخصوص الأخيرة والقضاء الاقتضائي مع النهي والتوعيد ، كل ذلك موافق لقانون العقل والعدل. ومن ذلك يعلم أن الهداية والضلالة ، بل السعادة والشقاوة ليستا من ذاتيات العبد بحيث لا اختيار له فيها ، ولا من لوازم الذات كلزوم الزوجية للأربعة وإلّا لما كانت قابلة للتغيير والتبديل ، ولبطل التكليف والثواب والعقاب ونحو ذلك من المحاذير ، بل هي من قبيل الأعراض الخارجية القابلة للزوال والتغيير والتي للاختيار فيها دخل مع توفيق وهداية منه تبارك وتعالى.
ومما ذكرناه يجاب عن شبهات القوم ، ويرفع التعارض بين الآيات والروايات ، ولعلماء الإمامية في تفسير الأمر بين الأمرين وجوه أخرى فراجع ، وسيأتي في البحث الآتي مزيد بيان.
بحث روائي :
عن الباقر والصادق (عليهماالسلام) قالا : «إن الله أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها. والله أعزّ من أن يريد أمرا فلا يكون».
وسئلا (عليهماالسلام) «هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة؟ قالا : نعم أوسع مما بين السماء والأرض».